متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 120 - الجزء 1

  تعالى إن صيّرهم كفارا أو خلق فيهم المعاصي وما يؤدى إلى الهلاك، كيف يصح أن ينهاهم عن ذلك؟ وكيف يصح - على طريق الإنعام - أن يقول ذلك، وهو الذي يطرحهم في المهالك!؟

  وكيف يقول تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وهو الذي خلق الإحسان؟ ومحبته للإساءة والفساد عندهم كمحبة الإحسان؛ لأن المحبة هي الإرادة، ولذلك كل ما⁣(⁣١) أحبه الإنسان فقد أراده، وكل ما⁣(⁣٢) أراده، فقد أحبه، ما لم يستعمل في إحدى اللفظتين على جهة الاتساع، فليس لأحد أن يجعل المراد بالمحبّة المدح أو ما يجرى مجراه⁣(⁣٣).

  ٦٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه جسم يجوز عليه المجيء والذهاب⁣(⁣٤)، فقال: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ}⁣[٢١٠]

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر الكلام لا يصح أن يقول به قوم؛ لأنه يوجب أنه تعالى يأتيهم في ظلل من الغمام، بمعنى أنه مكان له وظرف، وهذا يوجب أنه أصغر من الظلل والظلل أعظم، ويوجب أن تكون الملائكة معه في الظلل؛ لمكان العطف. وذلك يوجب اجتماعه والملائكة في الظلل،


(١) في د: «كلّما» في الموضعين.

(٢) في د: «كلّما» في الموضعين.

(٣) قال القاضي. «اعلم أن المحب لو كان له، بكونه محبا، صفة سوى كونه مريدا، لوجب أن يعلمها من نفسه، أو يصل إلى ذلك بدليل، وفي بطلان ذلك دلالة على أن حال المحب هو حال المريد، ولذلك متى أراد الشيء أحبه، ومتى أحبه أراده، ولو كان أحدهما غير الآخر لامتنع كونه محبا لما يريد، أو مريدا لما يحب على بعض الوجوه» وقد عقد في المغنى - ٦ - فصلا «في أن المحبة والرضا والاختيار والولاية ترجع إلى الإرادة وما يتصل بذلك» ناقش فيه قول من قال: إن اللّه تعالى لا يجب كونه محبا لما يريده، وانتهى إلى القول:

بأنه تعالى إذا صح كونه مريدا فيجب كونه محبا، وكل ما صح أن يريده تعالى صح أن يحبه، وكل ما أوجب قبح محبته، أوجب قبح إرادته».

انظر المغنى: الجزء السادس (الإرادة) ص: ٥١ فما بعدها

(٤) ف: والزوال.