[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  واحد؛ لأنه لا بد من القول بأن الإيمان يقبل منه، فلو كان الدين والإيمان غير الإسلام لدخلا في باب ما لا يقبل منه، فإذا يجب أن يكونا(١) الإسلام. ويدخل في ذلك جميع الواجبات والطاعات، كانت من أفعال الجوارح أو أفعال القلوب(٢). والإسلام في هذا الموضع هو الشرعي لا اللغوي؛ لأنه لو كان المراد به الاستسلام والخضوع لكان في أعماله ما يجب أن يقبل لا محالة، كالصلاة وغيرها.
  وليس لأحد أن يقول: إنما بين أن غير الإسلام لا يقبل فمن أين أن(٣) الإسلام مقبول؟ وذلك لأن الغرض بالكلام أن يبين مفارقة الإسلام لغيره في القبول، فلو كان الإسلام لا يقبل لبطل هذا الغرض!
  ١١٦ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يخص بالهدى المؤمن دون الكافر الظالم، فقال: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[٨٦].
  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا أن في الهدى ما يكون خاصا، وهو الهدى بمعنى الثواب، وبمعنى أن يسلك بهم طريق الجنة(٤)، فلا يمتنع أن يقول:
(١) د: يكون. وتصح بإضافة [هو الايمان] بعد كلمة «الإسلام».
(٢) قال الزمخشري: «فاعلم أن ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان» الكشاف: ٢/ ٣٤٧، وهذا يخالف ما ذكره القاضي، والحق أن من الإسلام ما هو متابعة وانقياد باللسان دون القلب، قال تعالى:
{قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا}، ومنه متابعة وانقياد باللسان والقلب كقوله تعالى، في حكاية عن إبراهيم: {قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ}. وكذلك الإيمان منه تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين، يقول اللّه تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. ومنه تصديق باللسان والقلب يقول اللّه تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}، وواضح صحة استدلال القاضي، في هذه الآية، على أن الايمان والاسلام واحد. انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ٣٦٦/ ٣٦٧.
(٣) ساقطة من د.
(٤) راجع الفقرة (٢٢).