متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 150 - الجزء 1

  واحد؛ لأنه لا بد من القول بأن الإيمان يقبل منه، فلو كان الدين والإيمان غير الإسلام لدخلا في باب ما لا يقبل منه، فإذا يجب أن يكونا⁣(⁣١) الإسلام. ويدخل في ذلك جميع الواجبات والطاعات، كانت من أفعال الجوارح أو أفعال القلوب⁣(⁣٢). والإسلام في هذا الموضع هو الشرعي لا اللغوي؛ لأنه لو كان المراد به الاستسلام والخضوع لكان في أعماله ما يجب أن يقبل لا محالة، كالصلاة وغيرها.

  وليس لأحد أن يقول: إنما بين أن غير الإسلام لا يقبل فمن أين أن⁣(⁣٣) الإسلام مقبول؟ وذلك لأن الغرض بالكلام أن يبين مفارقة الإسلام لغيره في القبول، فلو كان الإسلام لا يقبل لبطل هذا الغرض!

  ١١٦ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يخص بالهدى المؤمن دون الكافر الظالم، فقال: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}⁣[٨٦].

  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا أن في الهدى ما يكون خاصا، وهو الهدى بمعنى الثواب، وبمعنى أن يسلك بهم طريق الجنة⁣(⁣٤)، فلا يمتنع أن يقول:


(١) د: يكون. وتصح بإضافة [هو الايمان] بعد كلمة «الإسلام».

(٢) قال الزمخشري: «فاعلم أن ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان» الكشاف: ٢/ ٣٤٧، وهذا يخالف ما ذكره القاضي، والحق أن من الإسلام ما هو متابعة وانقياد باللسان دون القلب، قال تعالى:

{قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا}، ومنه متابعة وانقياد باللسان والقلب كقوله تعالى، في حكاية عن إبراهيم: {قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ}. وكذلك الإيمان منه تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين، يقول اللّه تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. ومنه تصديق باللسان والقلب يقول اللّه تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}، وواضح صحة استدلال القاضي، في هذه الآية، على أن الايمان والاسلام واحد. انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ٣٦٦/ ٣٦٧.

(٣) ساقطة من د.

(٤) راجع الفقرة (٢٢).