[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  قيل له: إن النفي في الآية عام فلا يصح تخصيصه.
  وبعد، فلو قلبت القضية كان أقرب، لأنه تعالى نفى أن يريد الظلم المضاف إلى العالمين(١)، وظاهر ذلك يقتضى أن الفعل منهم؛ لأن إطلاق الظلم إذا أضيف عقل منه الإضافة إلى فاعله دون المفعول به، ولذلك يقع الذم بقولنا: إن هذا الظلم من زيد، وهذا الظلم له(٢).
  وبعد، فان القوم يقولون إنه تعالى مريد للكثير من الظلم الذي يضاف إليه وينفرد به، كتعذيب أطفال المشركين، وتكليف من يعلم أنه يكفر، وخلقه إياه للكفر والنار، فلا يصح لهم ذلك التأويل. ومتى قالوا: إن هذا التعذيب ليس بظلم فليرونا صفة للظلم ليس بحاصل فيه(٣). لأنه تعالى إن أراد أن يظلم، ما كان يفعل إلا ما قد فعله عندهم.
  وقوله تعالى بعد ذلك: {وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[١١٧] يدل أيضا على أن الظلم من فعل العبد؛ لأنه لو كان تعالى خلقه فيه لم يصح أن ينزه نفسه عنه ويضيفه إلى العبد.
  وبعد، فإن مذهبهم يقتضى أن من الظلم من قبله ولا يصح وجوده إلا من خلقه منزّه(٤) عن الظلم، ومن لا يصح أن يفعل ذلك فيه غير منزّه عنه! وهذا كسلطان(٥) جائر يأخذ أصحابه على جهة الإكراه بالفساد، وينزه نفسه عنه
= وإن كان أراد ظلم بعضهم لبعض، أي: فلم يرد أن يظلمهم وإن كان أراد أن يتظالموا» الإبانة: ٥١.
(١) في د: العلم.
(٢) انظر في بسط الاستدلال بالآية - على هذا الوجه - المغنى: ٦ (المجلد الثاني) ص ٢٤٠.
(٣) ساقطة من ف.
(٤) د: فينزه.
(٥) في د: السلطان.