[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  لا تستمر على طريقة واحدة، فربما كانت(١) لهم وربما كانت(٢) عليهم، وإن كانت النصرة على جميع الأحوال للمؤمنين؛ لأنه تعالى لا يجوز أن يخذلهم وإن غلبوا من حيث أعد لهم الثواب العظيم لصبرهم، وأعد للكفار العقاب الأليم لغلبتهم، ولا بد من اعتبار العاقبة في النصرة والخذلان، فظن المؤمنون أن اللّه لما نصرهم يوم بدر بالوجوه التي فعلها أن ذلك واجب في كل حرب، فلما لحقهم من الكفار ما لحقهم صبرهم بهذا القول، ليبين لهم أن الدنيا منغصة، وأن أحوالها في السراء لا تستمر، «وأن الأحوال تختلف عليهم فيها ٣، لكيلا يكثر ركونهم إليها ويعلموا أن الواجب طلب الآخرة.
  فإن قال: فيجب إذا جعل الغلبة مرة للكافر ومرة للمؤمن أن يكون قد خذل المؤمنين.
  قيل له: قد بينا أنه تعالى قد يفعل ذلك على جهة(٣) المصلحة ليكونوا إلى الطاعة وإلى الزهد في الدنيا أقرب.
  وقوله تعالى بعد ذلك: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ} يدل على أن ما فعله هو لضرب من المصلحة، لكي يتميز المؤمن من المنافق، ويحصل لبعضهم الشهادة المؤدية إلى النعيم العظيم.
  وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} من بعد، يبين أن ما حصل من الكفار لم يقع لمحبته، وأنه إذا كان ساخطا فهو إلى الخذلان أقرب، ليبين أنهم وإن غلبوا في الظاهر فليس ذلك بنصرة في الحقيقة.
(١) ف: تكون.
(٢) د: وأن لا يختلف فيها.
(٣) د: وجه