[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  فبين أنه يوفق(١) بينهما إذا أراده الحكمان.
  والجواب عن ذلك: أن ظاهر قوله تعالى: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما} لا يدل(٢) على أنه الفاعل لما يؤثر أنه من الصلاح، لأن قول القائل: وفق فلان بين فلان وفلان، إنما يدل على أنه فعل التوفيق ولا يدل على غيره، كما إذا قيل ضرّب بينهما، دل على أنه فعل التضريب دون فعلهما، فلا يصح تعلقهم بالظاهر.
  واعلم أن «التوفيق» هو اللطف إذا اتفق عنده من العبد الطاعة والإيمان(٣) ويقال لفاعله عند ذلك، إنه قد وفقه، وإن كان من قبل لا يوصف بذلك، كما يوصف فعل زيد بأنه موافقة إذا تقدم فعل عمرو، ولولاه لم يوصف بذلك، فمتى وصفناه تعالى بأنه وفق العبد فالمراد أنه فعل لما يدعوه إلى اختيار الطاعة، وأنه اختاره، فوافق وقوعه ما فعله تعالى، واتفقا في الوجود، فصار تعالى موفّقا وصار هو موفّقا.
  فإذا صح ذلك فيجب أن يكون المراد بقوله: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما} أنه تعالى عند إرادتهما الإصلاح، يفعل من الألطاف ما يدعو إلى قبولهما، فمتى قبلا كان موفقا بينهما، فكيف يصح تعلق القوم بهذا الظاهر؟
  ثم يقال للقوم: إن الآية بكمالها تؤذن ببطلان قولكم، لأنه تعالى إن كان
(١) د: يوفق ذلك.
(٢) د: الكلام.
(٣) سبق أن أشرنا إلى مبدأ اللطف عند المعتزلة، والكلام في التوفيق، والعصمة والمعونة، متصل بمقالتهم في أفعال العباد، وأنها لا يجوز إضافتها إلى اللّه تعالى إلا على ضرب من التوسع والمجاز، وذلك بأن تقيد بالطاعات، فيقال: إنها من جهة اللّه تعالى ومن قبله، على معنى أنه «أعاننا» على ذلك و «لطف» لنا و «وفقنا» و «عصمنا» من خلافه.
وقد عرف القاضي «التوفيق» بقوله: «وأما التوفيق فهو اللطف الذي يوافق الملطوف فيه في الوقوع، ومنه سمى توفيقا. وهذا الاسم قد يقع على من ظاهره السداد، وليس يجب أن يكون مأمون الغيب حتى يجرى عليه ذلك». شرح الأصول الخمسة: ٧٧٩ - ٧٨٠.