[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  يجوز أن يجعل ذلك عذرا فيهم، ويكلف مع ذلك الكافر الإيمان مع فقد القدرة، «ولا يعذره في(١) ألا يفعل ما لا يطيق، بل يعاقبه بالنار الدائمة؟ لأن ذلك مما لا يستجاز على السفهاء فضلا على الحكماء.!
  ومن وجه آخر. وذلك أنه تعالى خص المستضعفين بأنهم لا يستطيعون حيلة فيما ذكره تعالى من الهجرة، ولو كان الأمر كما قالوا لكان كل واحد لا يستطيع حيلة قبل أن يفعل الهجرة، فكان لا يصح لتخصيصهم معنى!
  ١٧٠ - دلالة: وقوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ}[١٠٨] يدل على أن المعاصي لا يرضاها اللّه تعالى؛ وأنها(٢) ليست من قبله لأنه(٣) لا يجوز أن يفعل ما لا يرضاه ويسخطه؛ لأنه ذكر أنهم يبيتون من القول والفعل، ويعزمون عليه، وأنه تعالى لا يرضاه، مبينا بذلك أنهم يعصون فيه.
  وذلك يدل على ما قلناه، لأنه أثبته معصية وذمهم عليه، من حيث استخفوا من الناس دون اللّه تعالى، ثم بين أنه لا يرضاه، وكل ذلك يبين أن المعاصي ليست برضاه، ولا هي من قبله، على ما قلناه.
  والآية إنما أنزلت في رجل خان في درع، ثم نسبة إلى يهودي ألقاه في داره، ونصره على ذلك قوم من المؤمنين، فمال الرسول صلّى اللّه عليه إلى براءة ساحته من ذلك، فأنزل اللّه تعالى مؤدبا لنبيه #: {وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً} إلى قوله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ}(٤) مبينا بذلك أنه لن يخفى عليه
(١) د: ولا معذرة وفي.
(٢) في د: فإنها.
(٣) في د: فإنه.
(٤) قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ١٠٥ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ١٠٦ وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً ١٠٧ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} ... الآية، ١٠٥ - ١٠٨.
وسبب نزولها مع الآية ١٠٩، هو ما ذكره القاضي |.
وانظر في تفصيل هذا السبب: الطبري: ٥/ ٢٦٧ - ٢٧١.