متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 208 - الجزء 1

  وبعد، فإن ظاهره يقتضى أنه تعالى قد كلف ما لا يستطيعه الإنسان ولو حرص عليه، وليس ذلك مذهب القوم؛ لأن عندهم أن الكافر لو كان المعلوم من حاله أن لو اشتد حرصه على الإيمان فأراده، كان لا يقع الإيمان، لم يحسن أن يكلف!

  ١٧٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه أضل الكافر ولم يهده السبيل، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}⁣[١٣٧].

  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا الوجوه التي ينصرف الهدى عليها، وأنه لا ظاهر له بالإطلاق إلا الدلالة، ما لم يكن في الكلام ما يوجب صرفه إلى غيره، وفي هذا الظاهر ما يوجب أن المراد به أنه⁣(⁣١) متى مات على كفره أنه لا يهديه سبيل الجنة، بل يضله عنها، ولذلك جعله جزاء على كفره والزيادة فيه⁣(⁣٢)، كما جعل قوله: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} بهذه المثابة.

  ويبين ما قلناه أنه بين حال الكافر وما أقدم عليه من الكفر حالا بعد حال، ثم بين أنه في المستقبل لا يغفر له ولا يهديه السبيل، وهذا لا يصح إلا بأن يحمل على ما بيناه.

  ولو أراد بذلك أنه لم يهده من قبله بل أضله بخلق الكفر لوجب أن يكون


= نسائه فيعدل، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) قال أبو داود: يعنى القلب، مختصر سنن أبي داود ومعالم السنن: ٣/ ٦٤.

وفي الترمذي بلفظ: (...

اللهم هذه قسمتى فيما أملك ... فيما تملك ولا أملك

صحيح الترمذي: ٥/ ٨٠. وفي النسائي وابن ماجة (. ثم يقول: اللهم هذا فعلى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ٢/ ١٥٧. ابن ماجة: ١/ ٣١١.

(١) ساقطة من د.

(٢) ف: فيها.