[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ونكالا، فنبه بذلك على أنه مستحق وأنه مفعول على وجه الذل والاستخفاف، فليس يمكن حمل ذلك على أنه محنة كما نقوله في التائبين.
  فثبت بذلك أن من حق السرقة إذا وقعت على الوجه الذي أجمعوا على أنه يستحق بها القطع، أن فاعلها مستحق للعقاب. ولا يجوز مع ذلك أن يكون مستحقا للثواب! لأنه يتضاد أن يستحق أن يدام عليه النعيم من غير شوب، والعقاب من غير لذة، فيجب بثبوت أحدهما(١) انتفاء الأمر(٢) الآخر لا محالة، على ما نقوله في الإحباط والتكفير(٣).
  ١٩٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه يريد الكفر، فقال: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً}(٤).
  والجواب عن ذلك: أنهم أخطئوا في ظنهم أن الفتنة هي الكفر، والكفر متى سمى بذلك فعلى جهة المجاز، من حيث يؤدى إلى الهلاك، وقد سمى تعالى العذاب فتنة، فقال: {هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}(٥) وأراد به العقوبة، وقد سمى
(١) ساقطة من د.
(٢) في د: الأجر.
(٣) المكلف إما أن تخلص طاعاته أو معاصيه، أو يجمع بينهما، فإذا جمع بينهما فلا سبيل - عندهم - إلى التساوي، على ما علم عقلا وسمعا كما قال أبو علي، أو سمعا كما قال أبو هاشم، فليس إلا أن يكون أحدهما أكثر من الآخر والآخر أقل. فيسقط الأقل بالأكثر ويزول، فإن كان الأقل الطاعات سمي سقوطها إحباطا. وإن كان المعاصي سمي تكفيرا، وهم يطلقون القول ب (الإحباط والتكفير) جملة على سقوط الأقل بالأكثر. انظر شرح الأصول الخمسة: ص ٦٢٣ - ٦٢٤ فما بعدها. وانظر فيما سلف: الفقرة ٩٠ مع التعليق.
(٤) قال تعالى: {... وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ} من الآية ٤١.
(٥) الآية: {يَوْمَ هُمْ ...} سورة الذاريات ١٣.
(م - ١٥ متشابه القرآن)