متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 226 - الجزء 1

  الامتحان بالتكليف فتنة، ولهذا قال تعالى {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ}⁣(⁣١).

  وعلى هذا الوجه يقول الرجل: إن فلانا لمفتون بولده، فلا ظاهر لما توهموه لما ذهبوا إليه.

  والمراد بذلك أن من يرد اللّه أن يعاقبه لكفره وسوء فعاله، فلن تملك له من اللّه شيئا، وإنما بعث بذلك المكلف على التلافي، من حيث بين أن عقابه لا يزول إلا بما يكون منه من التوبة⁣(⁣٢)، وبين للرسول # أن محبته لوصولهم إلى الجنة لا تنفعهم إذا ماتوا على الإصرار!

  ١٩٣ - وقوله تعالى من بعد: {أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} لا يدل على أنه لم يرد منهم الإيمان؛ لأن ذلك لا يعقل من تطهير القلب إلا على جهة «التوسع، لأن⁣(⁣٣) قوله: {لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} يقتضى نفى كونه مريدا، وليس فيه بيان الوجه الذي لم يرد ذلك عليه، فلا ظاهر له فيما توهموه!.

  والمراد بذلك: أنه لم يرد تطهير قلوبهم مما يلحقها من الغموم بالذم والاستخفاف والعقاب، ولذلك قال: {لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ} ولو كان أراد⁣(⁣٤) ما قالوه لم يجز أن يجعل ذلك ذما ولا أن


(١) من الآية ١٥٥ في سورة الأعراف.

(٢) ذهب المعتزلة إلى وجوب التوبة على العاصي، فإن كانت معصيته صغيرة وجب ذلك عليه بالسمع دون العقل، - خلافا لبعضهم - وإن كان صاحب كبيرة لزمته التوبة ووجبت عليه بالسمع والعقل. وعند البغداديين أنها لا تأثير لها في اسقاط العقاب، وإنما اللّه سبحانه يتفضل باسقاطه عند التوبة، أما عند معتزلة البصرة فالتوبة هي التي تسقط العقوبة، قال القاضي عبد الجبار: «وأما عندنا فإنها هي التي تسقط العقوبة لا غير» ولهذا عدوا التوبة «تلافيا» للمعصية، وإليه يشير القاضي في كلامه هنا على الآية. انظر شرح الأصول الخمسة: ٧٨٩ - ٧٩٠ المغنى: ١٤ ص ٣٣٥ فما بعدها.

(٣) ساقط من د.

(٤) في د: ما أراد.