متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 243 - الجزء 1

  ومعلوم من حالهم وقد عرفوا اللّه ضرورة في دار الآخرة، أن تكليفهم بعد ذلك لا يصح؟

  قيل له: ليس في الظاهر أنهم لو ردوا لعادوا «لمثل ما نهوا عنه⁣(⁣١) في حالهم تلك، فكما يجوز أن⁣(⁣٢) يقدر ذلك بردهم، فكذلك يقدر بما ثبت من جهة العقل من ردهم على الأحوال التي يصح معها أن يكونوا مكلفين.

  وهذه الآية تبين أنه تعالى لرأفته بعباده لا يقطعهم عن الطاعة، وأنه لو علم أنهم يؤمنون ويستحقون الثواب في حال من الأحوال لكان لا يخترمهم دونه، وقد كلفهم على جهة التعريض للثواب.

  ويجوز في الآية أن يريد بها أنهم كاذبون فيما تمنوه، من حيث كان المعلوم أنه لا يقع على ذلك الحد، ويكون مجازا فيه⁣(⁣٣)، لأن حقيقته إنما تقع في الأخبار.

  ٢٠٨ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه لم يشأ ممن كلفه الاجتماع على الهدى، فقال: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى}⁣(⁣٤) لأنه لو كان شاء ذلك لم يصح أن يقول هذا القول.

  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا أنه تعالى قد شاء منهم ذلك على جهة


(١) ساقط من ف.

(٢) ساقطة من د.

(٣) بمعنى أن يحمل الكذب على غير الكذب الحقيقي فيكون المراد والمعنى - كما يقول الشريف - أنهم تمنوا ما لا سبيل إليه، فكذب أملهم وتمنيهم، قال المرتضى: «وهذا مشهور في الكلام؛ لأنهم يقولون لمن تمنى ما لا يدرك: كذب أملك، وأكدى رجاؤك».

الأمالي: ٢/ ٢٧٣.

(٤) من الآية: ٣٥.