[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  الاختيار والطوع(١)، وقد يصح أن يشاء على جهة الحمل والإكراه، وبينا أنهما كالمتنافيين؛ لأنه لا يصح أن يشاء منهم الهدى على كلا الوجهين، وبينا أن ما هذا حاله لا يصح أن يحمل النفي فيه على العموم، فلا يصح تعلقهم بالظاهر.
  وبعد، فإنه تعالى «إنما نفى أن يجمعهم على الهدى، ولم ينف أن يشأ أن يجتمعوا على الهدى. وجمعه(٢) لهم على غير اجتماعهم، لأن ذلك فعله وهذا فعلهم، فلا يصح تعلقهم بالظاهر.
  وبعد، فقد بينا أن حقيقة الهدى ليس هو الإيمان، ومتى حمل عليه فهو مجاز، فهذا أيضا يمنع من تعلقهم بالظاهر، ويوجب حاجة القوم إلى الدخول تحت التأويل.
  والمراد بالآية: أنه تعالى وجد نبيه # شديد الحرص على إيمانهم، فبين له أن ذلك لا يدخل في مقدوره، وإنما يتعلق باختيارهم، أو بأن يلجئهم تعالى إليه: فقال: {وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ} بأن يبلغ غايته {فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ}(٣) «لم يكونوا ليؤمنوا(٤) عندها على الحد الذي أردته، وجعل ذلك كالإنكار على الرسول #، أو بمنزلة التسلية له، ثم قال تعالى: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى} مبينا بذلك أنه المقتدر على ذلك، لكنه لو فعل لزال التكليف، ولما نفعهم إيمانهم واهتداؤهم، كما قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ
(١) انظر الفقرتين: ٨٠ و ١٩٥، وانظر في تأويل آيات المشيئة بعامة: المغنى: (٦ / م / ٢) ٣١٥ - ٣٢٠.
(٢) د: إنما أن يجمعهم على الهدى جمعه.
(٣) الآية: ٣٥، وتتمتها: {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ}.
(٤) في د: لم يؤمنوا.