متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 245 - الجزء 1

  إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا}⁣(⁣١) وهذا نظير قوله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}⁣(⁣٢) فبين للرسول # أنه قد علم من حالهم أنهم لن يصلحوا عند شيء من الآيات، وأنهم إذا كانوا بهذه الصفة، وقد بين لهم بما حصل من الآيات، وأزيحت عللهم، فنهاية الحجة عليهم قد تمت وحصلت.

  ٢٠٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه يكلف من لا يعقل، فقال {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ}⁣[٣٨].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره أنها أمثالنا في أنها أمم، وليس فيه ما يدل على أنها بمنزلتنا في التكليف، أو يدل على أنها جماعات أمثالنا. ولم يبين الوجه الذي صارت أمثالا لنا فيه، فلا يصح تعلقهم بالظاهر.

  والمراد بذلك: أنها جماعات أمثالنا، لأن الأمة حقيقتها أنها جماعة، فإذا قيل:

  من الناس، فالمراد به جماعة من الناس، وإنما أراد تعالى: أمثالنا في أنه تعالى خلقها وتكفل بأرزاقها وقدر أقواتها، ولا يصح أن يريد التكليف؛ لأن من حقه ألا يصح إلا في المميز العاقل، وذلك بالضد من حالها، وقد صح أن الطفل ومن لم يقارب حال البلوغ أمثل حالا في التمييز من الطير، ولا يصح مع ذلك أن يكلف!

  فأما ما يتعلقون به من قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ}⁣(⁣٣)


(١) من الآية ٨٥ - الأخيرة - في سورة غافر.

(٢) من الآية ١٤٥ في سورة البقرة

(٣) من الآية ٢٤ في سورة فاطر.