متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 246 - الجزء 1

  فالمراد به الإنس والجن دون الدواب وغيرها من الحيوان⁣(⁣١)، لما بيناه من الدلالة، لأن المقصد بالنذير أن يحذر من المعاصي ويبعث على مجانبتها، وذلك لا يصح في الدواب!.

  ٢١٠ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه جعل الكفار ممنوعين، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}⁣[٣٩] فبين أنه يصرفهم في المنع والإطلاق كيف شاء!.

  والجواب عن ذلك: أنه تعالى لم يذكر الوقت الذي هم فيه بهذه الصفة، ولا يصح ادعاء عموم الأحوال في ذلك؛ لأن الظاهر لا يقتضيه، لأنه تعالى علقه بأمر، فقال: {فِي الظُّلُماتِ} ولا يعلم بظاهره المراد منه، ولو كان عاما باطلاقه لمنع هذا التقييد من حمله على ظاهره، فلا يصح تعلقهم بالظاهر.

  ويحتمل أن يريد تعالى: أنه جعلهم بهذه الصفة في الآخرة؛ لأنه ذكر ذلك عقيب ذكر الحشر، فقال: {ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ٣٨⁣(⁣٢) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا}، ومتى حمل هذا على هذا الوجه كان محمولا على حقيقته، وقوله تعالى:

  {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا}⁣(⁣٣) مما يدل على ذلك.


(١) عد الراغب الأصفهاني من أنواع التأويل المستكره - وهو ما يستبشع إذا سبر بالحجة - التلفيق بين اثنين، (نحو قول من زعم أن الحيوانات كلها مكلفة، محتجا بقوله تعالى:

{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ} وقد قال تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} فدل بقوله {أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} أنهم مكلفون كما نحن مكلفون!) وعنده أن هذا النوع أكثر ما يروج على (المتكلم الذي لم يقو في معرفة شرائط النظم).

انظر مقدمته في التفسير ص ٤٠٣.

(٢) من الآية: ٣٨.

(٣) من الآية: ٩٧ في سورة الإسراء.