[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ومما يقال في ذلك: إنه تعالى قال: {خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} فعلق العبادة ولزومها(١) لنا بكونه خالقا لكل شيء، فيجب أن يتناول ما للزوم العبادة به تعلق، وذلك ليس إلا ما خلقه من النعم في الأجسام وما اختصت به من الملاذ. فأما أفعال العباد فإن لم تكن لم يؤثر ذلك في لزوم العبادة على حقها.
  ومما يقال في ذلك: إنه تعالى أورد هذه الآية مورد المدح فيما أثبت فيه وفيما نفى، فلا يجوز أن يحمل الكلام على ما يقتضى الذم؛ لأنه ينقض المقصد بهذه الآيات، فيجب أن يكون المراد بقوله: وخلق كل شيء، من النعم الواسعة عليكم. يبين ذلك أنه لو صرح بذكر ما قالوه لكان لا يليق بالمدح، ولو قال تعالى: وخلق كل شيء من الحق، والباطل، والجور، والعدل، والظلم، والسفه، والفساد، فاعبدوه، لكان قد أورد ما لو أراد أن ينفر(٢) عن عبادته لم يصح أن يزاد عليه!
  ومما يقال في ذلك: إن لفظ الشيء قد يقع على الموجود والمعدوم جميعا(٣)، ولذلك يقول القائل: علمت ما كنت فعلته، كما تقول: أعلم الأجسام، ولذلك(٤)، قال تعالى: {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ}(٥) فإذا صح
(١) في د: ولزومه.
(٢) ف: ينفيه.
(٣) اختلفوا في المعدوم: هل هو شيء أم لا على قولين، والذي ذكره القاضي من أن المعدوم شيء هو ما أحدثه أبو يعقوب الشحام (- ٢٣٠) من معتزلة البصرة - كما يقول الشهرستاني - وتبعه في ذلك سائر المعتزلة، ما خلا هشاما الفوطي (- ٢٤٦) وذهب الأشعرية وغيرهم إلى نفى الشيئية عن العدم، وإثبات أنها إنما تقارن الموجود فقط. انظر تفصيل الأدلة على هذين الرأيين مع الردود والمناقشات: ابن حزم: الفصل: ٥/ ٤٢ - ٤٦ الشهرستاني: نهاية الإقدام: ص ١٥٠ فما بعدها. القاضي عبد الجبار: المغنى: ٥/ ٢٥٢ ابن تيمية: مجموع الرسائل الكبرى: ٢/ ٦٥.
(٤) د: ولهذا.
(٥) الآية ٤٠ في سورة النحل وتتمتها «كن فيكون».