متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 258 - الجزء 1

  يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}⁣[١١٠]

  والجواب عن ذلك: أنه تعالى ذكر تقلب ذلك فيهم في المستقبل، فمن أين أن المراد به في الدنيا، ولا توقيت في الكلام؟

  وبعد، فإنه تعالى بين أنه يفعل ذلك، من حيث لم يؤمنوا به، ولا يكون ذلك على جهة العقوبة إلا في الآخرة، وهذا هو المراد؛ لأنه تعالى يفعل بهم ذلك في النار حالا بعد حال، لأجل كفرهم وسوء أفعالهم.

  ولو حمل على أن المراد به أن يفعل بهم ذلك في الدنيا بأن يضيق صدورهم بما يرد عليهم من الغم لتعظيم المؤمنين، وبما يرد عليهم من الشبه، وبما يقع [للمؤمنين] من الظفر بالحجة وغيرها، لم يمتنع.

  وقوله تعالى: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}) ظاهره يقتضى التخلية فقط، وهو تعالى قد ثبت أنه خلى بين الكافر وكفره؛ لأنه لو منعه قهرا لزال التكليف والذم والمدح، وإنما منعه بالنهى والزجر، وذلك لا يخرجه عن التخلية.

  ٢٢٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه لم يشأ منهم الإيمان، فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}⁣[١١١].

  والجواب عن ذلك: أن المراد به: إلا أن يشاء اللّه أن يلجئهم ويحملهم على الإيمان، وقد بينا في نظائر ذلك الكلام فيه⁣(⁣١).


(١) انظر فيما مضى الفقرات ٨٠، ١٩٥، ٢٠٨