[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(١) يبين ذلك أنه متى أبرز المحذوف من الكلام وكشف، لم يستقم على ظاهره، فلو قال تعالى: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها وأمرناهم ألا يمكروا فيها ليمكروا، لكان ذلك يتناقض، وهذا مما لا بد من تقديره؛ لأنه لا يجوز أن يكون غرضه تعالى أن لا يمكروا، بأن يجعلهم في القرى أكابر؛ لأنه لو لم يكلفهم لم يصح ذلك.
  فأما ما ذكرناه فلو أبرز فيه المحذوف لاستقام، بأن يقول: وما خلقت الجن والإنس وأكملت عقولهم وأمرتهم بالعبادة إلا ليعبدون، لاستقام الكلام وانتظم(٢)، فعلى هذه الطريقة يجب أن يحمل ما يراد به العاقبة، ومفارقته لما يراد به الإقدام على ذلك الفعل. وهذا واضح.
  ٢٣٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه أراد الهدى من قوم والضلال من آخرين، فقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} إلى آخر الآية(٣) [١٢٥].
  والجواب عن ذلك: أنه تعالى لم يذكر فيمن أراد أن يهديه إلى ما ذا؟
  والهدى مما يتعلق بغيره، فمتى حذف ذلك المعنى وزال التعارف، لم يكن له ظاهر، وقد بينا من قبل أنه يحتمل الدلالة، ويحتمل الأخذ بهم في طريق الجنّة، ويحتمل الثواب، وأن كل ذلك مما يجوز عليه تعالى(٤)، فمن أين أن المراد بهذه الآية نفس الإيمان؟
(١) سورة الذاريات، الآية: ٥٦.
(٢) وبعده في د زيادة: (على أن الكلام يستقيم دون قوله لاستقام الكلام وانتظم).
(٣) تتمتها: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}.
(٤) انظر الفقرة: ٢٢.