متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 265 - الجزء 1

  زيادة الهدى الذي وعد بها المؤمن بشرح صدره بتلك الزيادة، لأن من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة إلى بصيرة، {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} عن تلك الزيادة، بمعنى يذهب به عنها، من حيث أخرج نفسه من أن تصح عليه، يجعل صدره ضيقا حرجا لمكان فقد تلك الزيادة، لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلنا، أوجبت في الكافر ما يضاده. وتكون الفائدة في ذلك ما قدمناه من الرغبة في الإيمان والزجر عن الكفر، وهذا واضح بحمد اللّه ومنة.

  ٢٣٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يسلط بعض الظالمين على بعض، فقال تعالى: {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}⁣[١٢٩].

  والجواب عن ذلك: أنه تعالى ذكر ذلك عقيب ما اقتضاه من شأن أهل النار ومجادلة⁣(⁣١) بعضهم لبعض ممن كان يتبعه ويقبل منه⁣(⁣٢)، ثم قال تعالى عند ذلك: {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} وأراد أنه تعالى يكل بعضهم إلى بعض، مبينا بذلك أن المتبوع لا ينفع إذ ذاك التابع، فإن الذي يوجب النجاة هو العمل الصالح.

  وليس في ظاهر قوله تعالى: {نُوَلِّي} ما ذكروه؛ لأن الأصل في هذه العبارة أن يجعل إليه ما يتولاه من «أمر غيره⁣(⁣٣)، فإذا لم يذكر ذلك لم يكن له ظاهر.

  ولو أن الفصيح قال: وليت فلانا، ولم يذكر الأمر الذي ولاه، كان الكلام مبهما، فكذلك إن زاد فقال: ولّيت بعض أولادي بعضا؛ فلا يصح للقوم التعلق بما ذكروه. والواجب حمل الآية على ما قدمناه بشهادة ما تقدمه له.


(١) د: وما يليه.

(٢) انظر الآية: ١٢٨.

(٣) ف: أمره.