متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 267 - الجزء 1

  فإن قال: فأنتم تقولون في التكليف في الحدود إنها قد تكون عقوبة!

  قيل له: لأنها من فعل الغير فيهم، ولا يمتنع ذلك فيها على بعض الوجوه، وليس كذلك حال التكليف.

  فإن قال: فأنتم تقولون في الكفارات: إنها عقوبة، وذلك ينقض ما ذكرتم.

  قيل له: لا يصح في الكفارات التي يلزم المرء توليها أن تكون عقوبة، لما قدمناه، وإنما يقال في بعضها: إنها تجرى مجرى العقوبة في أنها تثبت مع المأثم كثبوت العقاب، فأما أن تكون في الحقيقة كذلك فمحال.

  وإذا صح ذلك، وجب حمل قوله تعالى: {ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ} على أنه علم أن الصلاح عند بغيهم تشديد التكليف عليهم، فصار ذلك، لتعلق كونه صلاحا له - ولولاه لم يحصل لذلك - جزاء، ولا يعقل في اللغة في الشيء أنه جزاء ما ذكروه من العقوبة فقط؛ لأنهم يستعملون ذلك فيما يقابل غيره ويتعلق به.

  ٢٣٩ - دلالة: وقوله تعالى بعد ذلك: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}⁣[١٤٨].

  يدل على ما نقوله، من أنه لا يريد القبيح من شرك وغيره، من جهات:

  منها: أنه تعالى حكى عن الذين أشركوا وقالوا: لو شاء اللّه ما أشركنا - وذلك يدل على أن من حالهم أنهم اعتقدوا أنهم أشركوا لأجل مشيئة اللّه، ولولاها لم يقع منهم - فقال تعالى: {كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} «وقد