متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 286 - الجزء 1

  شعيب: {قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا ...}⁣[٨٩] فبين أنه ليس لهم أن يعودوا في ذلك إلا بمشيئته.

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر الكلام يقتضى أن لهم أن يكفروا، وهذا مما لا يطلقه أحد، لأنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: وما كان لنا أن نعود فيها، وهذا نفى، ثم قال: {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا} وهذا يوجب إثبات ما نفوه، وإثبات أن لهم أن يعودوا فيها إن شاء تعالى. وذلك يوجب القول بأن لهم أن يكفروا، وهو الذي قلنا إنه خلاف الآية!

  وبعد، فإن الملة هي الدين، وقد يراد بها الشرعيات التي قد تختلف على لسان الأنبياء، كما يراد بها ما لا يختلف من العبادات، فمن أين - بظاهره⁣(⁣١) - أن المراد بها ما لا يختلف دون ما يجوز أن يختلف التعبد فيه، فصح حمله على ظاهره بأن يريد اللّه تعالى أنه ليس لنا أن نعود في الملة المنسوخة إلا أن يشاء ربنا إثبات التعبد فيها من بعد، ليكون من الباب الذي يعلم اختلافه بالمشيئة.

  وعلى هذا تأوله أبو علي |، وقال: إنما طلب الكافرون من قوم شعيب أن يعود⁣(⁣٢) من آمن به في ملة شرعية نسخت عنهم، فقالوا: {قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ} وأرادوا أنهم إن عادوا فيها على ذلك الحد الذي «هم عليه⁣(⁣٣) من التكذيب به، وعلى جهة الاستحلال، قد افتروا على اللّه تعالى الكذب، ثم قالوا: {وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها} يعنى في الملة، إلا أن يشاء اللّه تعالى التعبد بها من حيث يعلمها صلاحا في المستقبل، بعد أن نسخها عنهم وأزالها. وهذا مطابق للظاهر، مشاكل لما يقتضيه القول بالعدل، وقد بينا ذلك.


(١) ف: أن ظاهره.

(٢) ساقطة من د.

(٣) د: عليهم.