[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  وقيل إن المراد بالآية: لم يكن لهم أن يعودا في القرية(١) إلا أن يشاء اللّه تعالى أن يعودوا فيها، لأن ذكر القرية قد تقدم، كتقدم ذكر الملة(٢) وتقدم ذكر الإخراج من القرية، كما تقدم ذكر خروجهم من ملتهم(٣). فمتى حمل عليه لم يكن في الظاهر ما يمنع منه.
  وقد قيل: إن المراد بذلك: وما كان لنا أن نعود فيها مكرهين وكارهين، إلا أن يشاء اللّه ربنا أن يتعبدنا بذلك مع الإكراه، لأن إظهار(٤) كلمة الكفر على هذا الوجه، يحسن إذا تعبد تعالى به وأباحه. وقوله تعالى {قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ} كالدلالة على هذا الوجه.
  وقد قيل: إنه أراد تعالى تبعيد(٥) عودهم إليها من حيث علقه بمشيئته، وقد علم أنه تعالى لا يشاء العود إلى الكفر على وجه من الوجوه، وذلك كقوله تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ}(٦) وكما يقول العربي: لا كلمتك ما لاح كوكب، وأضاء الفجر، وما كرّ الجديدان.
  وقد قيل: إن المراد بذلك: وما كان لنا أن نعود فيها والعبادة قائمة، إلا أن يشاء ربنا أن يلجئنا إلى العود إليها فيزول التكليف.
  والوجه الأول أقرب الوجوه في ذلك.
  وفي الآية دلالة على إبطال مذهب المجبرة في الإرادة؛ لأنه تعالى بين أن
(١) د: القربى.
(٢) د: المسألة.
(٣) الآية المتقدمة ٨٨ قوله تعالى. {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ياشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ}
(٤) ف. إكراه.
(٥) في د. تعبدهم.
(٦) من الآية ٤٠ في سورة الأعراف.