[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  وليس كذلك حال الرؤية؛ لأن الجهل بها مع العلم بنفي التشبيه يمكن معه العلم بصحة كلامه على وجه يمكن الاستدلال به، فورود الجواب على من يجهل ذلك يؤثر(١)، من حيث يمكنه أن يعلم به الملتمس بالسؤال.
  فأما شيوخنا رحمهم اللّه، فقد استدلوا بهذه الآية على أنه تعالى لا يرى؛ لأنه تعالى قال: {لَنْ تَرانِي} وذلك يوجب نفى رؤيته تعالى في المستقبل أبدا، فإذا صح ذلك من موسى وجب مثله في الأنبياء والمؤمنين.
  فإن قال: فإذا كان سأل الرؤية في الحال، فالجواب يجب أن يقتضى نفيها في الوقت، فمن أين أنه يعم في المستقبل؟
  قيل له: قد يتضمن الجواب ما سأل السائل وغيره إذا كان ظاهر الجواب يقتضيه، لأنه في الإبانة أبلغ، من حيث بين حال ما سأل عنه وحال غيره من الأوقات، ولولا أن الأمر كذلك لم يعلم بهذا القول أنه لا يراه إلا في أقرب الأوقات إلى مسألته فقط، والمتعالم خلافه!
  وقوله تعالى: {وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي} يدل أيضا على أنه لا يرى، من حيث علق الرؤية باستقراره، والمعلوم أنه لا يستقر، وذلك طريقة العرب إذا أرادوا تأكيد اليأس من الشيء علقوه بأمر يبعد كونه. فلما جعله تعالى دكا، وظهر بعد استقراره، لذلك، في النفوس، حل محل الأمور التي يبعد بها الشيء إذا علق بها في الكلام، لأن استقراره، وقد جعله دكا، يستحيل، لما فيه من اجتماع الضدين، فما علق به يجب أن
(١) د: لا يؤثر.