متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 332 - الجزء 1

  قيل له: هذا محال، لأنهم جعلوا ذلك كالعذر في تخلفهم، فلو أرادوا استطاعة أمر سوى الخروج فيما نفوه لكان وجوده كعدمه في أن لا تأثير [له] في الكلام على وجه من الوجوه، فيجب أن يكون المراد بذلك ما ذكرناه دون غيره.

  ويجب على قول القوم: أن يكون المنافقون فيما ذكروه صادقين، واللّه تعالى في تكذيبهم غير صادق، لأنهم قالوا: لا قدرة لنا على ما نفعله، وكذبهم اللّه في ذلك، وكل قول يؤدى إلى مثل هذا فهو باطل!

  ٢٩١ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه أمر بالشيء وكرهه، وهذا لا يتم إلا على قولنا إنه تعالى لا يجب أن يريد الطاعات التي يعلم أنه لا يفعلها العبد، بل يجب أن يكره حدوثها، فقال تعالى: {وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}⁣[٤٦] فبين اللّه تعالى أنه كره منهم الانبعاث والخروج، وقد أمرهم مع ذلك به في جملة المجاهدين⁣(⁣١).

  ويدل أيضا على أنه تعالى قد يمنع «مما يأمر به⁣(⁣٢)، لأنه قال {فَثَبَّطَهُمْ}.

  والجواب عن ذلك: أنه تعالى إنما ذكر أنه كره انبعاثهم وخروجهم، ولم


(١) قالت المعتزلة. (كل آمر بالشيء فهو مريد له، والرب تعالى آمر عباده بالطاعة فهو مريد لها، إذ من المستحيل أن يأمر عباده بالطاعة، ثم لا يريدها، والجمع بين اقتضاء الطاعة وطلبها بالأمر بها، وبين كراهية وقوعها، جمع بين نقيضين، وذلك بمثابة الأمر بالشيء والنهي عنه في حالة واحدة)!

انظر: نهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني ص ٢٥٤.

(٢) د: ما يأمرهم به.