[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  يبين على أي وجه كرهه، وقد يجوز أن يكرهه على كل وجه، وأن يكرهه على وجه مخصوص، نحو أن يكره خروجهم قصدا إلى الإضرار والإفساد، وإن أراد خروجهم قصدا إلى الجهاد والمعاونة، وما هذا حاله لا يصح العموم فيه، لأنه ربما تنافى أن يكره على كلا الوجهين، وربما صح أن يكره على وجه دون وجه، وليس في اللفظ إلا أنه كره، من دون بيان الوجوه(١) في العموم والاختصاص.
  وبعد، فلو دل الظاهر على ما قالوه لدل على أنه أمرهم بالقعود دون الخروج، لأنه قال تعالى: {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ}(٢) وإذا صح حمل ذلك على خلاف الأمر من حيث صح أنه تعالى أمرهم بالخروج وتوعدهم على خلافه، فكذلك يجب(٣) أن تحمل الآية على أن المراد بها أنه كره منهم الخروج، لما علم من قصدهم الفساد وطرح الفتنة والتصريف لنفاقهم، ولم يكره منهم الخروج على الحد الذي أراده من المؤمنين.
  وقد بين تعالى [ذلك] فيما بعد بقوله: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ...}[٤٧] ومعنى قوله تعالى: {فَثَبَّطَهُمْ} أنه تعالى فعل ما يقتضى تركهم الخروج على هذا الحد، لما فيه من الفساد ولو أراد بذلك المنع لكان قد منعهم من الخروج على كل وجه، وهذا يوجب كونه تعالى آمرا بالشيء ومانعا منه، والمخالف لا يرتكب ذلك، لأنهم لا يقولون إنه تعالى قد منع الكفار من الإيمان وثبطهم عن الإيمان، وإن قالوا إنه أمره بما لا يقدر عليه لتشاغله بضده، على ما يهذون به في هذا الباب(٤)
(١) ف: الوجه.
(٢) تتمة الآية السابقة: ٤٦.
(٣) ساقطة من د.
(٤) يريدون القول: إن الكافر قد أتى في فقد الإيمان من جهته، حتى لا يكون تكليفه بالإيمان - والحالة هذه - تكليفا لما لا يطاق على ما يقوله المعتزلة، وهذا أحد وجوه =