متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 334 - الجزء 1

  وقد يجوز أن يكون المراد بقوله: {فَثَبَّطَهُمْ} أنه فعل من الألطاف ما يختارون عنده ترك الخروج على هذا الوجه، ولهذا قال تعالى: {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ}.

  ويجوز أيضا أن يكون المراد به أنه تعالى بين للرسول أنهم لو خرجوا على هذا الوجه لمنعوا، فصار ذلك تثبيطا منه تعالى، وبمنزلة أن يأمرهم بالقعود.

  ٢٩٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يخلق فيهم الكفر وأنهم قد يرغبون إليه أن لا يضلهم فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ...}⁣[٤٩]

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر الفتنة ليس هو الكفر والمعاصي، وقد بينا أنه ينطلق على الامتحان والتشديد في التكليف⁣(⁣١)، ولذلك أطلقه تعالى على العذاب، بقوله: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}⁣(⁣٢) وعلى البلاء النازل من الأمراض وغيرها، فقال تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ}⁣(⁣٣) وقال {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ}⁣(⁣٤) فلا ظاهر لما تعلقوا به.


= ذكرها القاضي عبد الجبار لهم في الدلالة على أن تكليف الكافر بالايمان لا يقبح، - بخلاف العاجز عن الإيمان - وقد ذكر القاضي في الرد عليهم جملة جامعة، بعد أن ناقش أدلتهم بإطناب، فقال: (إن الإيمان لا يفعل بالجواز، ولا بالصحة، ولا بالتوهم، ولا بالإطلاق، ولا بالتخلية، ولا بالمشيئة، ولا بكونه غير ممنوع، وإنما يفعل بالقدرة، والكافر لم يعط القدرة، فيكون تكليفه والحال هذه تكليفا لما لا يطاق، وينزل منزلة العاجز. وقد تقرر في عقل كل عاقل قبح تكليف من هذا حاله، ففسد ما قالوه) شرح الأصول الخمسة ٤٠٦، فما بعدها.

(١) انظر الفقرة ٢١٢.

(٢) سورة الذاريات. الآية: ١٣.

(٣) من الآية: ١٢٦ في سورة التوبة.

(٤) من الآية: ١٥٥ في سورة الأعراف.