متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 345 - الجزء 1

  قيل له: وكذلك لا يجوز أن يتوب عليهم إلا وقد تابوا؛ لأن كلا الأمرين «في ضمن الكلام⁣(⁣١)، بل الذي قلناه أولى؛ لأنه لا يقال فيه: إنه تعالى يتوب عليهم ولما⁣(⁣٢) تقدمت التوبة منهم، لأن معنى ذلك أن تقبل توبتهم، والتقبل في⁣(⁣٣) الفعل يقتضى تقدم وقوعه، فكان تقدير الكلام أنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وتابوا منها وأنابوا، فتاب اللّه عليهم، ولا يدل ذلك على أنه يغفر لأصحاب الكبائر من غير توبة.

  وبعد، فإن ظاهره يقتضى الإخبار عن قوم مخصوصين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا الصالح بالسيئ⁣(⁣٤)، وما هذا حاله إذا كان حكاية عن أمر متقدم لم يصح ادعاء العموم فيه، بل يجب أن يعلم على أي وجه وقع ذلك منهم، وفي هذا إبطال التعلق بالظاهر.

  وبعد، فإن قوله تعالى، على طريقة المدح لهم: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} يدل على أنهم أتوا بالاعتراف على طريق التوبة، ولذلك قال في آخره: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وهذا بين.

  ٣٠٣ - دلالة: وقوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ...}⁣[١٠٦] يدل على أن المقدم على ما يستحق به العقاب من المعاصي ليس فيه إلا أحد طريقين: إما أن يتوب فيتوب اللّه عليه، ويغفر له، وإما أن يعذبه؛ لأن قوله: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} يتضمن بعده التوبة منهم، على ما بيناه.


(١) ساقط من د.

(٢) ساقطة من د.

(٣) ساقطة من د.

(٤) نزلت الآية في أبى لبابة وأصحابه الذين تخلفوا عن رسول اللّه في غزوة تبوك.

انظر الطبري: ١١/ ١٢ - ١٦.