[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه أنعم عليهم بالأموال والأحوال في الدنيا إرادة أن يضلوا، وليس ذلك مذهب القوم، لأن عندهم هو مريد فيما لم يزل لضلالتهم، وما خلقهم اللّه إلا له، ولا يصح مع هذا القول تعليق الضلال بالأموال والأحوال، وإنما يصح ذلك مع القول بأن الإرادة حادثة مع الفعل(١)، فتعلقهم بالظاهر لا يصح!
  وبعد، فإن من قولهم أنه تعالى يخلق فيهم الضلال عن السبيل فيضلوا كانت الأموال «أو لم(٢) تكن، فكيف يصح تعليق ضلالهم بهذه الأمور مع أنه لا يتعلق عندهم إلا بخلقه تعالى، فإن خلقه وجدوا ضالين عن سبيله، كانت الزينة والأموال «أو لم(٣) تكن، وإن لم يخلقه فيهم لم يوجدوا كذلك، وإن كانت الأموال، فتعلقهم بذلك لا يصح، بل الأولى أن يستدل به على أن الضلال من قبلهم، فصارت الأموال كالداعية إلى اختيارهم له، حتى يكون لتعلقه بها معنى.
  وبعد، فإنه تعالى إن خلق فيهم الضلال فما الوجه في نسبة الضلال إليهم وما فعلوا ضلالا في الحقيقة؟ فذلك يدل على خلاف ما قالوه.
  والمراد بالآية عند أبي على ¥: أنه أعطاهم الزينة والأموال لئلا يضلوا، فحذف عن الكلام لفظة «أن» وهذا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}(٤) إلى ما شاكله. ودل على ذلك بأنه لو لم يحمل على هذا الوجه
(١) انظر ما كتبه القاضي في الدلالة على أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة قديمة، وأنه يجب كونه مريدا بإرادة محدثه: المغنى: ٦ المجلد الثاني، ص: ١٣٧ - ١٤٨.
(٢) في د: ولم.
(٣) في د: ولم.
(٤) من الآية ١٧٦ من سورة النساء.