متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 383 - الجزء 1

  وهذا جهل؛ لأن ذلك إنما يتم على قولنا، من حيث ثبت أنه تعالى المحسن بالحول والقوة علينا، لكي نطيع ونجتنب المعاصي، وعرّضنا بذلك لنيل الثواب والأماني.

  فأما إذا قالوا إنه تعالى قد خذل الكفار بقوة الكفر وأضلهم بها وأعماهم، فكيف يصح إضافة ذلك إليه تعالى، وأن يجعل ذلك من جملة مدائحه؟

  ثم يقال للقوم: إن جميع الآية يدل على قولنا في العدل، لأنه حكى عن نبيه # أنه قال: {وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ} فبعثهم بذلك على الإيمان والقبول، ولو كان تعالى ينهاهم عن الكفر ويخالفهم إلى فعله، بأن يخلفه فيهم، لكان لهم أن يقولوا: إن ربك هو⁣(⁣١) المقتدر على الأشياء يفعل ذلك، فما الوجه في أن تتبرأ منه وترغبنا بذلك في الإيمان؟

  وقوله تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} يدل على أن الاستطاعة قد تتقدم، لأن ظاهر الكلام يدل على الاستقبال، ويشترط فيه الاستطاعة الثابتة في الحال.

  ويدل على أنه تعالى لا يريد الإفساد، لأنه لو أراده لكان لهم أن يقولوا: إذا كان من هو أقدر منك قد أراد منا الكفر والفساد، فإرادتك الصلاح غير مؤثرة!

  وقوله تعالى: {وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} لا يصح مع القول بالجبر، لأنه إن خلق الإيمان وأراده فوجود التوفيق كعدمه، وكذلك إن أراد الكفر، وإنما يصح التوفيق إذا كان العبد هو المختار لفعله، فيوفق بالألطاف والدواعي، ويبعث بها على اختيار الحسن.


(١) د: الذي هو.