متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة النحل

صفحة 446 - الجزء 2

  علينا العبادة، وذلك يوجب أن تكون العبادة مستحقة علينا بنفس الشيء الذي هو عبادة منا، وهذا يتناقض!

  قيل له: إن المنعم يستحق الشكر والتعظيم. وقد يكون منعما بأن يفعل النعمة، وقد يكون كذلك بأن لا يفعل بعض الأفعال، وقد يكون كذلك بأن ينوب عنه غيره، فبأي وجه فعل صار منعما يستحق الشكر⁣(⁣١)، ولذلك يستحق أحدنا الشكر إذا جاء⁣(⁣٢) أجل الدين ولم يطالب الغريم، ويستحق تعالى الشكر⁣(⁣٣) لو غفر للكفار والفساق، فالمعتبر في كون المنعم منعما بأن يكون النعيم من قبله يحصل، والتمكن من ذلك من قبله. أو زوال الضرر عنه، أو التمكن من ذلك يحصل من قبله، فمتى حصل «ذلك أو⁣(⁣٤) بعضه بفعل وجب الشكر، وإن حصل من غير فعل وجب الشكر، ولولا أن الأمر كذلك لما استحققنا الشكر على من نعمه ويأكل؛ لأن الأكل والتنعم من فعله، لكنا لما مكنا منه وأتحناه له كنا منعمين عليه، وعلى هذا يكون الإنسان منعما على غيره إذا أعطاه المال وسائر ما ينتفع به.

  فإذا ثبت ذلك وجب أن يكون تعالى منعما بالإيمان، وإن كان من فعلنا لما وصلنا إليه بأمور من قبله وتمكينه فيه ودواعيه إليه، فإذا صح ذلك وجب أن يستحق الشكر إذا كان منعما، وإن لم يكن فاعلا لنفس النعمة؛ إذا فعل ما هو السبب فيها. وليس كذلك حال الذم والمدح، لأنه قد ثبت أن أحدا لا يستحق على فعل غيره هذين، كما ثبت أن المستحق للذم على القبيح من فعله لا يجوز أن


(١) انظر المغنى، الجزء الرابع عشر، بتحقيق الأستاذ: مصطفى السقا ص: ١٨٠.

(٢) ساقطة من ف.

(٣) ساقطة من د.

(٤) ساقطة من د.