متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة «بني إسرائيل»

صفحة 462 - الجزء 2

  فإن قيل: فقد قرئت الآية على وجه يدل على أنه تعالى يريد الفسق والفساد، وهو بتشديد الميم من: «أمرنا»⁣(⁣١) وإذا أمرهم بهذا، فيجب أن يكون قد أراده منهم.

  قيل له: هذا كالأول في أنه لا يدل على أنه أمّرهم ومكنهم لكي يفسقوا، فيجب أن يكون المقصود بتأميرهم غير مذكور، وأن يحمل الأمر فيه على أنه جعل إليهم الإصلاح ومكنهم من ذلك ففسقوا وأفسدوا، وليس التأمير والتمكين بأكثر من الإقدار والتمكين بالآلات في العصاة. وذلك يحسن عندنا، لأن العبد معه، وعنده، لا يخرج من أن يكون ممكنا من الطاعة ومن مفارقة المعصية.

  فأما إذا قرئ {أَمَرْنا} بالتخفيف⁣(⁣٢) فيجب أن يكون المراد به؛


= {وَإِذا أَرَدْنا}: «وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم ففسقوا، أي: أمرناهم بالفسق ففعلوا» ثم قال: «والأمر مجاز؛ لأن حقيقة أمرهم بالفسق، أن يقول لهم افسقوا، وهذا لا يكون، فبقى أن يكون مجازا، ووجه المجاز: أنه صب عليهم النعمة صبا، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك، لتسبب إيلاء النعمة فيه، وإنما خولهم إياها ليشكروها ويعملوا فيها الخير، ويتمكنوا من الإحسان والبر، كما خلقهم أصحاء أقوياء، وأقدرهم على الخير والشر، وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية، فآثروا الفسوق، فلما فسقوا حق عليهم القول، وهو كلمة العذاب، فدمرهم». ولعله أصح وجوه التأويل في الآية. انظر: الكشاف: ٢/ ٣٥٤ - ٣٥٥. وانظر ما كتبه أبو عبيد اللّه البكري (عبد اللّه بن عبد العزيز) حول الآية وما أورده من وجوه قراءة (أمر). التنبيه على أوهام أبى على في أماليه. الطبعة الأولى بدار الكتب المصرية سنة ١٣٤٤. ص: ٤٢ - ٤٣.

(١) رواها الطبري بسندها عن أبي عثمان النهدي، وذكرها ابن خالويه في (القراءات الشاذة) عنه، وعن الليث عن أبي عمرو، وأبان عن عاصم، انظر الطبري: ١٥/ ٥٥.

القراءات الشاذة لابن خالويه، ص: ٧٥.

(٢) يصح أن يقال على القراءة الأولى - بقصر الألف وتخفيف الميم وفتحها، وهي قراءة عامة قراء الحجاز والعراق - إن المعنى: أكثرناهم، قال الطبري: ذكر بعض أهل العلم أن:

أمرنا: أكثرنا» ولكن هذا من غير المشهور وقد سبق للقاضي كذلك أن ذكر وجه التأويل فيها، وهو ما علقنا عليه آنفا. فالذي يعنيه بقراءة التخفيف هنا - فيما يبدو - قراءة من قرأ =