متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة «بني إسرائيل»

صفحة 464 - الجزء 2

  النعم التي يتمكن منها في حال الصيام، وهذا ليس بقول لأحد.

  وإنما أراد تعالى أن يبين أن من المعلوم من حاله أن مقصده الدنيا، وأنه لا صلاح له في شيء من الأفعال يختار عنده الآخرة، فإنه سيمكنه من العاجلة ثم يعاقبه بما يستحقه⁣(⁣١) ومن أراد الآخرة، فإنه سيلطف له بما في المقدور ثم يثبته على ما بينه تعالى.

  ٤٢٢ - مسألة: قالوا ثم ذكر بعده ما يدل على أنه يقضى أفعال الخلق، فقال: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}⁣[٢٣]

  فإذا صح أنه يقضى الطاعات من فعلهم، فكذلك المعاصي.

  والجواب عن ذلك: أن المراد بالقضاء قد يختلف إذا أطلق، وإنما يعرف المراد بضرب من التقييد أو الدلالة. وقد بينا ذلك من قبل⁣(⁣٢).

  فالمراد بهذه الآية: أنه ألزمهم ذلك وأمرهم به، ولذلك خص الواجب بالذكر دون غيره، والكلام في أنه يقال فيمن ألزم غيره الشيء: إنه قضاء، وقضى به عليه، مشهور، وقد تقدم ذكره.

  ٤٢٣ - دلالة: فأما قوله تعالى، بعد ذكر الزنا والقتل وغيرهما من المعاصي، {كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} فإنه يدل على أنه يكره المعاصي ولا يريدها؛ لأنه لا يجوز أن يكون كارها مع كونه مريدا لها، لأن ذلك يتضاد، ولا يمكن أن يقال: إنه تعالى يكره منها ما لا يقع، لأنه تعالى عم ولم


(١) تتمة الآية السابقة: ١٨ {ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً} والآية التي تليها: ١٩، قوله تعالى: {وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً}.

(٢) انظر الفقرة الأولى من هذه السورة.