ومن سورة طه
  بالتعارف قد صار كالحقيقة، لأن المنشد منا لقصيدة امرئ القيس(١) يقال: إن ما أنشده هو شعر امرئ القيس، ولا يدعى في ذلك الخروج عن التعارف والحقيقة، فيصح من هذا الوجه ما تعلقنا به.
  ٤٥٩ - وقوله تعالى من بعد: {فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}(٢) يدل أيضا على حدث النداء، من حيث علقه بإتيانه المكان، والقديم لا يصح ذلك فيه، لأن التوقيت إنما يصح في الحوادث. من حيث تحدث في وقت دون وقت.
  ومن وجه آخر: وهو أنه لو كان قديما لكان لم يزل قائلا: {يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} وقد علمنا أن ذلك يقتضى النقص من جهات كثيرة: أحدها أن المتكلم إنما يكون حكيما متى استفاد بكلامه أو أفاد غيره، وذلك يستحيل فيما لم يزل، فإثباته على هذا الوجه نقص، يتعالى اللّه عنه، كما أن أحدنا لو قال وهو منفرد: السماء فوقى والأرض تحتى، ولم يزل يكرره، فإن ذلك وإن كان صدقا، فإنه من أقوى الدلالة على السّفه والنقص.
  ومنها: أنه لا يجوز أن يكون مناديا على جهة المخاطبة للمعدوم، لأن ذلك يتعالى اللّه عنه.
(١) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، شاعر يماني الأصل، كان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الشاعر. وقد عده ابن سلام على رأس الطبقة الأولى من فحول شعراء الجاهلية. انظر: طبقات فحول الشعراء، لمحمد بن سلام الجمحي بشرح الأستاذ محمود محمد شاكر، ص: ٤٣. معجم المؤلفين: ٢/ ٣٢٠.
(٢) وبعده: {... فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} الآيتان: ١١ - ١٢.