مقدمة
  يختلفوا فيه والفرع ما اختلفوا فيه ولم يجمعوا عليه، وإنما وقع الاختلاف في ذلك لاختلاف النظر، والتمييز فيما يوجب النظر، والاستدلال بالدليل الحاضر المعلوم، على المدلول عليه الغائب المجهول فعلى قدر نظر الناظر واستدلاله يكون دركه لحقيقة المنظور فيه والمستدل عليه، فكان الإجماع من العقلاء على ما أجمعوا عليه أصلا وحجة محكمة على الفرع الذي وقع الاختلاف فيه.
  وأصل الكتاب فهو المحكم الذي لا اختلاف فيه، الذي لا يخرج تأويله مخالفا لتنزيله. وفرعه المتشابه من ذلك فمردود إلى أصله الذي لا اختلاف فيه بين أهل التأويل.
  وأصل السنة التي جاءت على لسان الرسول ÷، ما وقع عليه الإجماع بين أهل القبلة، والفرع ما اختلفوا فيه عن الرسول. فكل ما وقع فيه الاختلاف من أخبار رسول الله ÷ فهو مردود إلى أصل الكتاب والعقل والإجماع»(١).
  وقال الإمام الهادي في بيان أهمية العقل وتقديمه: «لأن العقل أكثر حجج الله سبحانه على عباده، ولذلك لم يخاطب إلا ذوي الألباب والعقول، وإياهم قصد بالأمر والفرض والنهي وأسقط ذلك عن المجانين والصبيان الذين لا عقول جميع لهم»(٢)، وقال: «وكذلك العقل فهو حجة الله على خلقه، لا يوضح ولا يدل إلا على ما دل عليه وأوضحه القرآن»(٣)، وقال: «إن الأصول كلها والفروع المحتاج إليها في الكتاب والسنة. فإذا علم العالم ذلك، وأتى على معرفته، وعرف مجمله ومحكمه، وفروعه ومتشابهة ونظر في ذلك كله بقلب فَهِم سالم من الجهل بري من الخطل، بعيد من الزلل. ثم وردت عليه مسألة استدرك علمها ساعة ترد عليه، إما بآيه ناطقة أو شريعة باسقة تنطق له بالحكم فيما ورد عليه، وتبين له ما يحتاج من ذلك إليه بقياس يصح من السنة، ويثبت في الآيات المحكمة، وتشهد له الشرائع المشروعة
(١) مجموع الإمام القاسم ج ١ ص ٦٣١ - ٦٣٢.
(٢) مجموع الإمام الهادي ص ٢٦١.
(٣) المرجع السابق ص ١٥١.