[القسم الأول: حقوق الله تعالى]
  اعتباره من الشارع كثيراً؛ ولذلك لم يُفَرق فيما نحن(١) فيه بين ما وجدت فيه المشقة من السفر وبين ما عُلم فيه انتفاؤها استغناءً بالمظِنَّة.
  فرع: ولما كان السفر سبب الترخص لم يكن بُدٌّ من وجود حقيقته؛ ولذلك اشترط الجمهور خروج المسافر من ميل بلده؛ لأنه فِناؤها وفِناء الدار من حقوقها التي حكمه حكمها مع نية شُقَّةٍ(٢) بعيدة يسمى معها مسافراً.
  وقد اختلف في تقديرها على أقوال شتى مآخِذُها مفهوماتُ أقوالٍ صدرت من الرسول ÷ أشدها مناسبة مسافة(٣) ثلاثة أيام مع كون هذا مما اعتبره الشرع في أحكام كثيرة كما تقدم شيء منها.
  فرع: وحينئذ ينعدم الترخُّص بعدَمِ ما يسمى سفراً وذلك بدخول فِناء بلده أو دار إقامته، وبإضرابه عن السفر بأن ينوي إقامةً لا يبقى معها اسم السفر ولو نقض إضرابه من بعدُ.
  وبمضي مدةٍ هي بنفسها قاطعة السفر وإن لم يكن له نيَّةٌ كالمتردد في الإقامة حتى مضت مدة لا يبقى معها اسم السفر، وقد اختلف في تقدير هاتين الْمُدَّتين على أقوالٍ بعضها مأخوذة من أقوال الصحابة وبعضها مستنبطة بالرأي.
  والصحيح عندنا ما روي(٤) عن أمير المؤمنين كرَّم الله وجهه: عشرٌ في الأولى، وشَهْرٌ في الثانية.
  فرع: فإذا أغمي على المسافر في بلدةٍ دونَ مقصده ثم أفاق فحكم السفر باقٍ ولا حكم لتلك الإقامة إلى حدِّ الشهرِ، ثم يثبت حكمها على ما مر.
(١) في (ج): يجي. أي: الترخيص.
(٢) الشقة: مسافة بعيدة والسفر الطويل. (نهاية).
(٣) في (ج): «أشهرها مسافة ثلاثة أيام».
(٤) أخرجه عن علي # موقوفاً الإمام أحمد بن عيسى في الأمالي بلفظ: «يتم الذي يقيم عشراً والذي يقول: اليوم أخرج غداً أخرج يقصر شهراً» ومثله في مجموع الإمام زيد بلفظ: «إذا قدمت بلداً فأزمعت على إقامة عشر فأتم»، وأخرج الأول ابن أبي شيبة في المصنف (٨٢١٣).