معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 114 - الجزء 1

[النوافل التي لا سبب لها]

  وأما الضرب الثاني - وهو ما لا سبب له - فمنه ما هو تابع للفريضة في فعلها ووقتها حتى كأنه متمِّمٌ لها ومكمِّلٌ لمصلحتها وذلك كرواتب الخمس فلذلك شرع قضاؤها، ومنه ما هو غير ذلك كسائر النوافل.

  فرع: وإنما شُرعت النوافل للتسهيل كما مر، وقد فتح الله بشرعيتها أبواب الرحمة لعباده رأفة بهم وتقريباً لهم ليُقَدِّمَ كل منهم ما تيسر له منها إلى حضرة ملكوته، طلباً⁣(⁣١) به تقوية الوصلة بينه وبينه والانخراط في سلك أوليائه، وقد رَغَّبَ سبحانه وتعالى العبد في ذلك بما وعد عليه من القبول ومضاعفة الجزاء.

  مسألة: وكل ما شرعه الشارع نفلاً أو فرضاً غير مقيد بحدوث سبب فإنه يصح من العبد التنفل به؛ إذ إطلاق شرعيته إشارةٌ إلى أن جنسه مما ينبغي للعبد التنفل به، لا ما شرع لسبب كصلاة الكسوف والجنازة والعيد والجمعة ونحوها؛ لأن ترتب فعلها على أسبابها صفة مقصودة منها.

  فرع: فلا يصح التنفل بسجدتي السهو؛ لأنهما شرعتا لسببٍ مخصوصٍ، ولا بمثل سجود التلاوة والشكر لذلك، ولا بركعة واحدة أو خمس ركعات فما فوقها؛ لعدم شرعيتها، ويصح بالثلاثية، وبأن يجهر في نافلة النهار، ويُسِرَّ في نافلة الليل؛ لأن ذلك كله مشروع في الجملة.

  فرع: من النوافل ما هو موقَّت كالرواتب وما ورد الشرع بفعله في وقت مخصوص كمكملات الخمسين وصلاة الضحى ونحوها، فهذه إذا فاتت في وقتها استحب فعلها في غيره قضاءً في الرواتب لما تقدم وأداءً في غيرها.

  وعلَّة الاستحباب منع النفس من تعود تركها، وقد جاء فعلها كذلك عن الرسول ÷.

  وما سوى ما ذكر من النوافل فلا وقت له بل ذوات الأسباب عند حدوث


(١) في (ب، ج): «طالبًا».