معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 117 - الجزء 1

  خليفةً، فاشترط فيه الأهليَّة فلم يصح من الصبي ونحوه⁣(⁣١) على الأصح، ولا من الكافر؛ لعدم أهليتهم للعبادة؛ لعدم صحة النية.

  وإنما لم يشرع في حق الشهيد ليلقى الله وعليه آثار الاستشهاد في سبيله، وقد كره الشارع مَحْوَ آثار العبادة كنفض المتوضئ ليديه، ومسح أعضائه عقيب الوضوء، ومسحِ المصلي جبهتَه من التراب عقيب الصلاة حيث أَمِنَ الرياء.

باب الصيام

  هو عبادة بدنية خالصة يشترط فيه ما يشترط في العبادة، ويفسده ما يفسدها كما تقدم في صدر الكتاب.

  وأجاز زُفَرُ صوم رمضان بغير نية بناء على تعينه في نفسه، فلا يفتقر إلى تعيين كردِّ الوديعة، ورُدَّ عليه بأن نية العبادة من لوازمها كما مر، فالحاجة إلى النية هنا لأجل العبادة لا لأجل التعيين.

  مسألة: والمناسبة المعقولة من شرعية الصوم هو امتحان النفوس بمنعها من مشتهياتها، وحبسها عن منفوراتها كسراً لهيجانها، وحطّاً لها عن عُتوِّها وطغيانها؛ لتكون بذلك أقرب إلى الذلة والخضوع، والاستكانة لربها والخشوع، ولئلا تسترسل في تناول مشتهياتها، وتتهور في طلب مستلذاتها؛ فتعظم بذلك غفلتها عن آخرتها، وما خُلِقَت له من أمر معادها، كما نبه عليه الشارع⁣(⁣٢).

  فرع: فيؤخذ من ذلك أن الزهد في الطيبات أكلاً ولُبْساً وغيرهما مشروع، حيث قصد به ذلك، لا كما قال بعض علماء الشافعية: إنه غير مشروع أصلاً، ولا


(١) «الفاسق». حاشية في (ب).

(٢) بقوله تعالى في آية الصوم: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٨٣}⁣[البقرة]، فيحتمل أن يكون من التقوى أو الاتقاء مثل قوله تعالى: {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ}⁣[يس: ٤٥]، وكلاهما مناسب لما ذكره المصنف ومن ذلك ما أخرجه الإمام أبو طالب في الأمالي عنه ÷ قال: «من سره أن يذهب كثير من إحن صدره فليصم شهر الصبر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر»، وهو في مسند أحمد بلفظ: «وحر صدره»، وأمثال هذه الرواية في حكمة الصوم.