معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 126 - الجزء 1

  فرع: فلذلك عظمت حرمة ذلك البيت، وصلح سبباً يُنَاطُ به الحكم كما تقدم حتى سرت الحُرْمة إلى فِنَائه وما حَوله، فمَنَعَتْ من قطع أشجاره، وإفزاع حيواناته، ولو لغير المحرم، وسمى الشارع هتك تلك الحرمة إلحاداً وظلماً، وتَوَعَّدَ عليه بعذاب السعير، وحكم لداخله بالأمان فلا يقام عليه حدٌّ ولا قصاص ما دام فيه.

  فرع: وقد علم بما ذكرنا مناسبة شرعية هذه الأحكام، التي هي رفع الصوت بالتلبية، وما ذكر بعدها من محظورات الإحرام، وعُلم ثبوتُ حرمة الحرم المحرم، ووجوب توقي محظوراته.

  فرع: ذكر بعضهم أن أصل تحديد الحرم بتلك الحدود أن الله تعالى أمر بطرد الشياطين عنه فانتهت في الهرب إلى تلك الحدود، ثم أمر ملائكته حرساً في تلك الحدود، وروي ذلك مرفوعاً⁣(⁣١).

  فرع: ولما كان الحاجُّ قاصداً بخروجه من منزله لإجابة دعوة الله تعالى، والمسارعة إلى امتثال أمره كان الأصلُ أن يتلبَّس بهيئة الحجِّ من الإحرام وتوابعه من ابتداء خروجه من بيته، لكن رفع عنه الحرج بجعله من المواقيت إشفاقاً عليه من الوقوع في محظوراته.

  فرع: فلذلك قال بعضهم: إن الإحرام من بيته أفضل؛ إذ هو أخذ بالعزيمة، وقيل: الرخصة هنا أفضل، ويكره غيرها؛ إذ هو مظنة الوقوع في المحظور، ولو وثق بالتحفظ استغناء بالمظِنَّة، ومن هاهنا فارق ما ذكرنا تقديمَ الإحرام على أشهر الحج؛ إذ لا أصل له في الشرعية فكان مكروهاً، بل قيل: إنه لا ينعقد.

  فرع: وعلم أن من جاوز الميقات بغير إحرام فقد أساء، ولزمه الإحرام، فإن جاء به في عامه أدخله فيما شاء لعدم استقراره في الذمة، وإلا قضاه في العام المستقبل مستقلاً؛ لاستقراره في الذمة، فلا تحصل البراءة إلا بفعله مع نية التعيين


(١) ذكر الأزرقي في (أخبار مكة) روايات مرفوعة وموقوفة في كيفية تحريم الحرم وتحديده، والله أعلم.