الضرب الثاني: الأفعال
  أصحابنا والحنفية؛ لنص الشارع(١) على وجوبها على الفقير.
  فرع: ولما كانت المناسبة والنص يوجبانها على كل واحد من غير اعتبار نصاب لها مخصوص، وكان في ذلك حرج ومخالفة لما اعتبره الشارع من التخفيف والتيسير، ولقوله ÷: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى»(٢)، وجب أن يكون لها نصاب مخصوص.
  فقال جماعة: هو قوتُ يومٍ؛ إذ هو غِنَىً كما أشار إليه الشارع(٣)، وقد اعتبر في الإفلاس وغيره.
  وقال الأكثر: بل قوت العشر؛ لأنه قد اعتبر نصاباً في الكفارة، وهو من جنس هذا الحكم فكان أولى، ولأن مثل هذا العدد قد اعتبر في أحكام كثيرة، ولأن فيه توسيطاً بين الإفراط والتفريط، وجعلناها من نصابها قياساً على الزكاة.
  فرع: ولكون نصابها شرطاً لا سبباً اعتبر في كل سببٍ على انفراده، فإذا ملكه لنفسه فقط وجبت عليه أو له ولزوجاته فكذلك، ويقدَّم الأخصُّ وهو الزوجة ثم المملوك ثم الولد للتحريج في نفقة الزوجة، فكانت أولاهم، وسقوط نفقة الولد بالغنى بل قد تجب عليه النفقة فكان أدناهم، فإن ملك لرأس من الصنف سقطت لعدم الأولوية.
(١) فيما رواه ابن أبي صُعَير قال: قال رسول الله ÷: «صاع من بر أو قمح على كل صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى، غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى» أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب (١٥٧/ ٢)، وأبو داود (١٦١٩)، والدارقطني (١٤٨/ ٢) باختلاف يسير.
(٢) أخرجه أبو داود (١٦٧٦) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ÷: «إن خير الصدقة ما ترك غنىً أو تصدق به عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول»، وأخرجه البخاري (١٤٢٦) باختلاف يسير، ومسلم (١٠٤٢) بمعناه.
(٣) لعله أراد بنحو ما رواه أبو الدرداء عن رسول الله ÷ قال: «من أصبح معافىً في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا» أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (٥٣٩) واللفظ له، والطبراني في مسند الشاميين مطولاً. وهو عن عبيدالله بن محصن عند الترمذي (٢٣٤٦)، وعن ابن عمر عند الطبراني في الأوسط (٢٣٠/ ٢)، والله أعلم.