معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 164 - الجزء 1

  فرع: فلكونه حقاً لله انتهاء لم يصح العفو عنه بعد الترافع، ولم يسقط بإباحة المقذوف عِرْضَه، ولم يكن موروثاً؛ إذ الإرث يتصل به من قِبَلِ آخره، ولم يتساقط الحدَّان حيث قذف كل من الرجلين الآخر، وكان استيفاؤه إلى الإمام، وأقيم على الوالد لقذف ولده، ولم يتكرر بتكرر القذف حيث اتحد المقذوف، ما لم يتخلل استيفاء الحدِّ، وسقط بالشبهة سواء نشأت من حال القاذف كالأخرس حيث قذف بالإشارة، أو من حال المقذوف كالعبد والصبي والكافر وغير العفيف والأخرس، فلا يُحدُّ قاذفهم، ولو عرض شيء من هذه بعد القذف عند الأكثر، فإن الحدَّ يندرئ بالشبهة.

  فرع: ولكونه حقاً لآدمي ابتداء لم يصح دعواه حِسْبَةً، وصح العفو عنه قبل الترافع، بل هو الأولى، ويكرر بتكرر المقذوفين مطلقاً، ووجب بإقراره ولو مرة، كسائر الحقوق، وسقط بنكول المقذوف عن اليمين، وقُدِّم على غيره من الحدود عند التعارض، ولم يسقط بالردَّة ولا بالإسلام بعدها، بخلاف غيره من الحدود.

  فرع: ولكونه شرع لصيانة العرض ودفع العار وجب على قاذف الميت، وكان طلبه إلى أولياء النكاح؛ إذ هو لدفع الغضاضة مثلَه.

  وإذا عفا بعضهم كان لغيره الاستيفاء لبقاء حقه، وإنما لم يكن للولد أن يطالب أباه حيث قذف أمَّه الميتة؛ لأنها بطريق الولاية فأشبهت المال فسقطت؛ لأن له شبهة في ماله وحقُّ الله غيرُ ساقطٍ فيطالب الوليُّ بعدَه، وكذلك العبد مع سيده.

  فرع: ولما شرع لدفع الغضاضة لم يحدَّ قاذف المجبوب والرتقاء؛ لعدم الغضاضة للعلم بالكذب، وحُدَّ القاذف المكلف مطلقاً ولو كافراً أو ولداً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً، إلا أنه ينصَّف عليه لما سيأتي أن أحواله منصفة إن شاء الله تعالى.

  مسألة: قال أصحابنا والشافعية: القذف في نفسه كبيرة؛ إذ الأصل في المسلم العفة، وعجزُ القاذفِ عن إقامة البينة مقررٌ لذلك الأصل، وكاشفٌ عن فسق القاذف من وقت القذف.

  وقالت الحنفية: عجزُه عن إقامة البينة شرطٌ في كونه كبيرة، فلا يصير فسقاً