معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 181 - الجزء 1

  فرع: ولما كانت حقوق العباد مشروعة للتوسعة، ودفع الحاجة على ما مر، كانت كلها ثابتة في حق الصبي؛ لحصول العلة في حقه، ويستثنى منها ما كان جزاءً كحرمة الميراث بالقتل، أو صلةً فيها معنى الجزاء كالعقل، أو حقُّ الله فيها غالب كردِّ السلام، أو حقّاً⁣(⁣١) فيه عقوبة كالقصاص ونحوه؛ لعدم أهلية الصبي لهذه الأحكام.

  فرع: ولما شرعت نظراً لمصلحة الصبي لم تصح فيما يؤدي إلى إدخال غُرْم في مال الصبي كالتبرعات والضمانة عنه، ومن ثَمَّ لم ينفذ الغَبْن الفاحش في حقه، وأما اليسير فوجه نفوذه تعذر الاحتراز عنه، فيؤدي منعه إلى منع التصرف أصلاً.

  وأيضاً لما كان معتاداً صار داخلاً في إذن الشرع، لانصراف الخطابات الشرعية إلى ما يعتاد، وعلى التعليلين معاً إنما ينفذ الغبن اليسير حيث لم يقصده الولي؛ إذ لا يتعذر الاحتراز عنه حينئذ، ولا هو معتاد.

  فرع: ومن هاهنا اختلف في أنه هل يجري العرف على المسجد واليتيم ونحوهما أم لا؟ فمن علَّل في الغبن اليسير بالعلة الثانية قال به، ومن علَّل بالأولى أو بمجموعهما منعه.

  فرع: ولما شرعت النيابة لرعاية مصلحة الصبي كما ذكرنا كان الأصل في تصرف الولي أنه لمصلحة بعد صحة ولايته، فإذا بلغ الصبي وأنكرها، فعليه البيِّنة عند الأكثر، كالموكِّل إذا ادعى مخالفة الوكيل عند الجميع، ولكونها خلافة لم يكن للصبي نقض شيء منها بعد البلوغ إلا حيث أجَّره وليُّه، ثم بلغ في المدة، فله الفسخ، كما إذا أجَّر السيدُ عبدَه ثم عتق؛ إذ هو عقد في نفسه من غيره، فيملك إبطاله عند كمال أهليته، كما في الأمة المزوجة إذا عتقت، والمناسبة ظاهرة.

  مسألة: وللصبي ثلاثة أحوال:

  الأولى: من وقت سقوط النطفة إلى ولادته، وهو في هذه الحالة أهل لأن


(١) في (ج): أو حقٌّ. ولعله يريدها معطوفة على نائب الفاعل في يستثنى. والله أعلم.