معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 182 - الجزء 1

  يجب له الحق مطلقاً، بالشراء والنذر والهبة والوصية والقرض والإجارة، ويستحق الشفعة والخيار والأولوية بالمبيع ونحو ذلك من الحقوق، وكذا لأن يجب عليه بطريق المعاوضة حقيقة كثمن ما اشتري له، وأجرة ما استؤجر له، ومهر من استنكح له. أو حكماً كنفقة الزوجة والقريب؛ إذ كل منهما صلة فيها معنى المعاوضة؛ إذ الأولى في مقابلة البضع، والثانية في مقابلة الإرث، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

  الحالة الثانية: من ولادته إلى تمييزه ويثبت له فيها جميع ما يثبت في الحالة الأولى مع زيادة وهو طريق وجوب الحق عليه بطريق الجناية؛ إذ هو في هذه الحالة هَدَرُ الأقوال كلها، مضمونُ الأفعال التي ليست لتقرير الأقوال، ولا نائبةً عنها كالقتل والجرح وقبض المغصوب، لا ما كان لتقرير الأقوال كقبض المبيع والثمن أو نائباً عنها كالسجود لغير الله وقبض الهدية وما استُودِعَ ولو عَيْن حقِّه فلا ضمان عليه، ولو أتلفه، والمتلف له حقيقة هو الدافع كمن ألقى صبياً في النار.

  الحالة الثالثة: من تمييزه إلى بلوغه وهو في هذه الحالة أهل لما هو أهله في الحالتين الأولتين مع زيادة، فإن جميع أقواله وأفعاله المقررة لها قد صارت معتبرةً: إما في حق غيره بطريق الوكالة لكن لا تتعلق به الحقوق المتعلقة بالوكيل؛ إذ قيامه مقام الأصل نيابة محضة، بخلاف الوكيل فهو خليفة من وجه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

  وإما في حق نفسه بإذن الولي ثم قيل: هو بطريق الأصالة، وقيل: بطريق النيابة، ومبنى القولين على أن الإذن هل هو فكُّ حجر فيتصرف بأهليته، أو استنابة فيتصرف بأهلية الولي؟ وهو في التحقيق راجع إلى أن الإذن هل هو رَفْعُ مانِعٍ فيكون أمراً سَلبيّاً، أو وجود موجب فيكون أمراً وجوديّاً؟

  والمعتمد هو الأول؛ لكمال أهليته بكمال تمييزه، وإنما المتوقف النفوذ لمانع، وهو أن عدم الخِبْرَةِ مَظِنَّةُ الانخداع فيستمر الحجر إلى البلوغ، وزاد أبو حنيفة فجعله إلى خمس وعشرين سنة؛ ليتحقق زمان الخبرة.