معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 252 - الجزء 1

  فيه من الأجناس؛ لعدم تمايزهما⁣(⁣١) من الطرفين، بخلاف ما إذا بيع بزيت فإن التميز من أحد الطرفين موجب لتميز الآخر، بهذا يندفع الإشكال الوارد فيه.

[ربا النسيئة]

  الضرب الثاني: ربا النسأ، وعلته أحد الأمرين المذكورين في ربا الفضل. وتحقيقه: أن في بيع البر بالبر مثلاً بمثل حكمين، حرمةُ زيادة أحدهما على الآخر وهو الفضل الحقيقي، وحرمة النسأ وهو فضل شبيهٌ بالفضل الحقيقي؛ لمزية المعجَّل على المؤجَّل.

  ولما كان علة الأول هو المجموع المركب من الجنس والقدر كان علة الثاني الذي هو شبيه بالأول، ويلحق به جزء ذلك المركب، فتكون علة الحكم الأخف جزءَ علةِ الأثقل، فتظهر المناسبة.

  فرع: ولشدة الاحتراز عن شبهة الفضل، اشترط بعض أصحابنا والشافعي التقابض في المجلس أو ما في حكمه ككونه في الذمة، ولم يشترطه البعض الآخر والحنفية بناء على الاكتفاء بالحلول؛ لمصير القبض حينئذ حقاً للمشتري.

  مسألة: ولخفاء بعض ما ذكرنا من التعاليل ذهب الشافعي إلى أن العلة في ربا الفضل مركبة من الجنس والطعم، وعرفت عليته بإيماء النص وبالمناسبة. وتحقيقها: أن المطعومات بها قوام الأنفس وبقاء الأرواح، فالمناسب لشرفها وفضيلتها أن تضيَّق مسالكها، وتعسَّر طريق⁣(⁣٢) نيلها؛ لأن ما كثرت قيوده عَزَّ وجودُه وظهر شرفه، وما انحطت منزلته ونقص قدره صار مبتذلاً يناله كل طالب، وهذه المناسبة معتبرة عرفاً وشرعاً، فيكون مجموع الطعم والجنس هو العلة.

  أما الطعم فلما ذكرنا، وأما الجنس فلأن الفضل إنما يظهر باتِّحاده والعلة في ربا النسأ هو الطعم فقط.


(١) في (ج): «تمايزها».

(٢) في (ب، ج): طرق.