[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]
  وتحقيقها: أن الشارع قد وضع لكل من التبرعات والمعاوضات عقوداً مخصوصة، فتستفاد كل من طريقه التي وضعت له، ومعلوم أن البيع عقد معاوضة محضة مبنيٌّ على المشاحة والمماكسة؛ ولذلك شرعت فيه الخيارات؛ لدفع الغبن كما مر.
  وإذا كان كذلك كان المناسب أن لا يكون في أحد بدلَيْه زيادة غير مقابلة لشيء من الآخر؛ إذ يخرج حينئذ عن موضوعه، ويصير مشوباً بتبرع؛ وإنما يتمحض كون الزيادة كذلك حيث اتفق البدلان في الجنس والقدر؛ إذ لو اختلفا في أحدهما لم يُعقل الفضل الخالي عما يقابله لتقارب(١) الصفات والمنافع فيقابل بعضها بعضاً.
  فرع: فعلم أن المقدار هو الكيل والوزن؛ لأنهما المعيار المعتاد، لا تماثل آحاده وحينئذ يرجع أهل كل [مذهب](٢) ناحية إلى عادتهم وقت العقد، فلو باع مكيلاً بمكيل متفاضلاً بيعاً موقوفاً أو بخيار ثم وقعت الإجازة أو الإمضاء، وقد صار أحدهما غير مكيل، كان رباً.
  فرع: ومع اختلاف العادة ولا غالب، الصحةُ أولى رجوعاً إلى الأصل، كما حكم بها في مسائل الاعتبار(٣) فإنه لما احتمل أن يكون كل جنس مقابلاً لجنسه فيحرم أو لغير جنسه وفيه وجوه بعضها يجوز وبعضها يحرم، حمل على ما يجوز، ويحتمل أيضاً أن تكون المعاوضة بين المجموعين المركبين والمجموع من حيث هو لا مقدار له.
  فرع: فإن باع خبزاً مُسَمَّناً بمثله وزناً جاز التفاضل للاعتبار، بخلاف الزيتون بمثله؛ إذ ليس بمركب بل جنس مستقل، وإن جرى مجرى المركب في عدم صحة بيعه بزيت أقل مما فيه؛ لأن التركيب فيه خلقة فلم يتعقل تقابل ما
(١) في (ب، ج): «لتفاوت».
(٢) زيادة في (ج).
(٣) مسائل الاعتبار: هي بيع جنس ربوي بجنسه وغيره داخل في العقد ويشترط غلبة المنفرد كمدين بمد ودرهم لا مدٍّ بمد ودرهم. ومسائل الاعتبار تجوز عند أهل المذهب لكن حيث لم يقصد الحيلة في الزيادة ولا تجوز عند الشافعي مطلقاً.