معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 279 - الجزء 1

  شُرع في المطاعم والملابس من التقليل، واختيار الأدنى؛ لأنه مُحَصِّنٌ عن محارم الله، وكلما عَظُمَ المحصِّن ازداد البُعْدُ الذي هو مطلوب الشارع.

  فرع: ولتعلق حق الله بالجنبة التي تعلق بها حق الزوج وهو البضع، لم يصح فيه الإقالة ولا التفاسخ بمجرد التراضي، ولا شُرع فيه خيار إلا خيار العيب، وأُلْغِيَتْ فيه الشروط الرافعة لموجَبه، إلا شرط استثناء البضع والوطء فيفسده؛ لأنه المقصود، ولم يكن للزوج التصرف في ملكه، بنقل أو تشريك؛ لأن في ذلك كله تصرفاً في حق الله تعالى؛ فلم يصح.

  وإنما شرع فيه خيار العيب؛ لأنه مُكَمِّلٌ لمقصود الشارع؛ لما تفضي⁣(⁣١) إليه النفرة عن المعيبة من عدم التناسل، ولأن فيه زجراً عن التغرير وهو من مهمات الشرع.

  فرع: ولكون فيه حق لله كان له نصاب مخصوص، لا يجوز تعدِّيه واشترط فيه الشهادة إعلاناً لحق الله، وتبعيداً له عن مشابهة الزنا، واعتبر عدالة الشهود؛ لذلك، وصح كون الشاهد أعمى وعبداً؛ لأن فيها⁣(⁣٢) نوعَ تعبُّدٍ.

  فرع: وإنما اختص بمحل مخصوص وهو غير المحارم، إما تعظيماً لحق الرحامة، ورفعاً لهن عن منزلة الأجانب، أو نظراً إلى عدم كمال المقصود، وهو التناسل؛ لقصور تعلق الشهوة بالمحارم، فلا يحصل نسل، وإن حصل فمع ضعف، ومن ثم نهى الشارع عن⁣(⁣٣) الإضواء.

  وإنما حرم الجمع بين المحارم اتِّقاءً⁣(⁣٤) لما يتولد بينهنَّ من العداوة والشحناء المنافية، لما يقتضيه حق الرحامة.


(١) في (ج): «تقضي».

(٢) في (ب، ج): فيه.

(٣) قال في النهاية: وفيه: «اغتربوا ولا تضووا» أي: تزوجوا الغرائب دون القرائب، ومنه الحديث: «لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاوياً». وأخرجه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (١٧٩/ ٢)، وقال عنه بعض العلماء: لم يوجد له إسناد ولا أصل له مرفوعاً.

(٤) في (أ): إبقاء.