معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 301 - الجزء 1

  فرع: وقد علم مما ذكرنا أن الزوج إنما يهدم الثلاث؛ إذ لا حرمة قبلها، وقد ذهبت الحنفية إلى أنه يهدم ما دونها قياساً لنقصان الحل على الحرمة، وهو ضعيف؛ إذ لا يقاس ما ليس بحكم على الحكم الشرعي.

  وعلم أيضاً أن عقد الزوج الأول عليها إن كان بعد التثليث فالحاصل أنه ملك جديد، فلا يراعى فيه شيء من التعليقات التي في الملك الأول، وإن كان بعد غيره عاد به الملك الأول بعينه، فلم يُلْغَ شيء من تلك التعليقات.

  فرع: وعلم أيضاً أن من الحرمة إنما حصلت بالتدريج أن الطلقتين والثلاث بلفظ واحد بمنزلة الطلقة الواحدة؛ لأن موضوع الطلاق هو نقصان الحل لا عدمه كما مر، وإنما يحصل عدمه بالتدريج المذكور، ففي جعل الثلاث بلفظ واحد موجِبَة للحرمة - كما ذهب إليه كثيرون - إخراج له عن موضوعه شرعاً.

فصل: في أحكام تثبت للطلاق

  لما كان الحق الثابت بالنكاح أمر لا يقبل التجزؤ كما تقدم، كان إسقاطه غير قابل له، فلم يقبل الطلاق ولا محله التجزؤ؛ فإذا أوقع بعض طلقة، أو طلق بعض امرأته طلقَتْ، ذلك البعض بالإيقاع والثاني بالسراية، وقيل: بل يقع الكل بالإيقاع؛ لأن وقوع البعض لما كان مستلزماً لوقوع الكل صار إيقاع البعض كأنه موضوع له فيقع به.

  فرع: وقد توهم بعضهم: أن معنى السراية في الطلاق والعتق هو أن يقع الحكم على البعض أولاً ثم يسري في الوقت الثاني إلى الباقي، وهو فاسد للزوم التجزؤ حينئذ، بل معناها أن العلة في ذلك البعض هو الإيقاع، وفي الثاني⁣(⁣١) هو وقوع الحكم في ذلك البعض، وأما الوقوع فهو في وقت واحد؛ لما علم أن العلل الشرعية مقارنة لأحكامها.

  وتظهر فائدة الخلاف حيث قال: يَدُكِ طالق إن دخلت الدار، ثم دخلت الدار


(١) في (نخ): «الباقي».