معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[المقدمة]

صفحة 39 - الجزء 1

  ولأنه لا مخصص لكونها على صفات مخصوصة دون غيرها، وإنما وجبت لكونها لطفاً في التكاليف العقلية أو في ألطافها الشرعية.

  نعم، لا بُعْدَ في أن يكون كونها شكراً أو محصلة للثواب أو لدفع العقاب أو للثلاثة كلها وجهاً لفعلها مطلوباً لله تعالى، ويكون فعلها لذلك لطفاً لنا كما هو ظاهر نصوص القرآن والسنة بل هذا هو الذي يجب أن يُعْتقد وإلا لبطلت فائدة الترهيب والترغيب بالعقاب والثواب، بل كان لا يحسن من الله تعالى الوعد والوعيد، ولا تخرج بذلك عن أنها وجبت لكونها لطفاً كما ذكرنا.

  وكذلك المحرمات الشرعية قَبُحَتْ لكونها مفاسد في التكاليف العقلية أو في ألطافها الشرعية.

  وأما المندوبات الشرعية: فإنما شرعت لكونها مُسَهِّلَةً للتكاليف العقلية أو الشرعية، أو لطفاً في النوافل العقلية.

  وكذلك المكروهات الشرعية مُسَهِّلَة للتروك أو مفسدة في النوافل العقلية.

  فإن قيل: أيتعين على المكلف أن يعلم وجه التكليف بهذه الشرعية؟

  قلنا: إذا أتى بها المكلف امتثالاً فقد خرج عن عقدتها⁣(⁣١) قطعاً، ثم إن لم يكن له اعتقاد في وجه شرعيتها قطُّ أو اعتقد كونه أحد الوجوه⁣(⁣٢) المذكورة غير اللطفية فقد أخطأ قطعاً؛ إذ قد جوَّز على الله تعالى أو نسب إليه ما هو جورٌ وظلمٌ في المعنى لكن لا يكفر بذلك؛ إذ لم يصرح بالنسبة ولا بما يستلزمها ضرورة، وإن علم أنها شرعت لأمرٍ لا يستغني عنه المكلف ولا يمكن الابتداء به ولم يعلمه بعينه فلا شيء عليه.

  فرع: وقد علم أن ثواب الطاعة ليس بقدر المشقة بل العبرة في⁣(⁣٣) الموقع


(١) في (ب، وج): «عهدتها».

(٢) وهي كونها شكرًا أو محصلة للثواب أو لدفع العقاب أو للثلاثة كلها.

(٣) في (ج): بالموقع في اللطفية.