معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[المقدمة]

صفحة 40 - الجزء 1

  باللطفية والتسهيل في الفريضة والنافلة، وكذا عقاب المعصية يختلف بعظم المفسدة وقِلَّتها، وقد ورد بذلك الشرع في زوجات الرسول ÷(⁣١).

  فرع: وبهذا نقطع بأن ثواب الفريضة فوق ثواب النافلة من غير تحديد بقدر معلوم، وقد ذكر بعضهم أنها تفضلها بسبعين ضعفاً كما أشار إليه الشارع بقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}⁣[البقرة: ٢٦١]، وقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}⁣[الأنعام: ١٦٠]، إذ المراد بالأولى الواجب وبالأخرى النفل؛ إذ لا يصح خلافه لعلمنا بفضل الواجب على النفل.

  فصل: [في الصبي]

  لما كان الصَّبِيُّ قبل كمال عقله غير مكلف بشيء من العقليات لم يكن مخاطباً بشيء من الشرعيات؛ إذ لا يكلف اللُّطف دون الملطوف فيه، لكن مَسَّتِ الحاجة إلى إجراء أحكام الكفر أو الإسلام عليه لتعلقها بغيره فَجُعِلَ فيها تابعاً لأبويه؛ إذ هو فرعهما كالغصن من الشجرة، كما جعل المجهول تابعاً للدار، وكما جُعِلَ مذهب الصبي في الفروع مذهبَ ولِيِّه أو ناحيته.

  فرع: والمخاطَب بتلك الأحكام التي هي حرمةُ المناكحة والذبيحة وحِلُّهما وانفساخُ النكاح والموارثةُ وعدمهما ونحو ذلك هم المسلمون، كما أن المخاطَب بضمان جنايته ومنعه مما هو صورة محظور كمسِّ المصحف وهو جنب، وقراءة القرآن، والقَسْم بين الزوجات ونحوها هو الوليُّ.

  فرع: وإن كمل عقله قبل البلوغ كُلِّف بالعقليات دون الشرعيات؛ لأن الشارع لَمَّا شرطها بالبلوغ عُلم أنه لا لطفية فيها قبله فينفرد التكليف العقلي من الشرعي فيصح إسلامه وكفره في نفس الأمر ويستحق الجنة أو النار لكن لا يثبت له شيء


(١) في قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ} الآية [الأحزاب ٣٠].