[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]
  فرع: ولكونه شُرِع لارتفاق العباد لم يُوجب حكماً حيث قد تعلق بذلك المباح حق للغير يستلزم تملكه بطلانَه أو نقصانَه؛ إذ ليس للعبد أن يرتفق بإبطال حق غيره، وذلك كحقِّ التحجر، والحق الحاصل بضرب الخيمة، وكحريم الدار والبئر والعين والمرافق القريبة للبلد وهي التي ينقصها الإحياء كمصلاها ومجمع بهائمها ونحوهما على ما مر، ونحو: أن يحفر منهلاً في مباح صَبَبُه مستَحَق حيث ينقصه المنهل، فيكون الحق هنا مانعاً من ابتداء الحكم لا من انعقاد السبب ولا من تمامه فأشبه خيار الشرط للبائع، فإذا أسقط ذو الحق حقه بعد ذلك نفذ كما في خيار الشرط، ومع عدم سقوطه لا حكم له، فإذا زرعها المحيي ملك زرعها ولا أجرة؛ إذ لا ملك لأيهما. فإن كان الثاني قد منع بإحيائه من إحياء الأول كأن يبني داراً ما تحجره الأول أجبر على رفع بنائه؛ ليتمكن الأول من الإحياء، فإن حفره بئراً لم يجب عليه رد التراب؛ إذ ليس ملكاً للأول بل فوَّت عليه الثاني حقاً لا يضمن إلا بالإثم كما تقدم مراراً.
  فرع: فإذا وضع رجل أحمالاً في مباح ثم أحياه غيره، لم يكن له إحياء موضع الأحمال، وبقي لها حق الاستطراق إليها.
  فرع: وقد علم مما ذكرنا أن الحق السابق إذا كان مما لا يُفَوِّته إحياءُ الثاني ولا ينقصه، لم يمنع حكمه كالجبال التي أصبابها مستَحَقَّة، والمرافق البعيدة للبلد كالمحتَطَب والمرعى، فتملك هذه بالإحياء ما لم تنقص الحقوق السابقة، كما لكل أن يستعملها فيما لا يمنع ولا ينقص تلك الحقوق.
  فرع: [وقد علم](١) أن من بيض طريقاً في فلاةٍ لكثر(٢) المشي فيها ملكها؛ لأن ذلك إحياء لها فإن حصل التبييض منه ومن غيره فلا ملك لأيِّهما على ما مر، فلا تكون الطرق التي في القفار المحياة بتكرير المارين مملوكة.
(١) ساقط من (أ).
(٢) في (ج): «بتكرير».