معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الأول: التروك

صفحة 46 - الجزء 1

[أقسام التكليف]

  التكليف ضربان: تروك وأفعال:

الضرب الأول: التروك

  والترك غير مقصود في نفسه سواء قلنا إنه نفي محض، أو فعل الضدِّ، بل المقصود منه أمرٌ عدميٌّ لازم له وهو عدم وقوع المفسدة الذي هو المتروك على ما مر تحقيقه.

  فرع: ولكون الترك غير مقصود لم يحتج إلى نية، ولم يتأثر بالنية لحصول ذلك اللازم عند الترك، سواء تجرد عن النية أو صاحبته نيَّةُ مباحٍ أو محظورٍ، نحو: أن ينوي بترك القبيح تَوَقِّيَ الذمِّ أو الخديعة، بخلاف الأفعال فإنها قد تحتاج إلى نية، وتتأثر بالنية على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، ومن ثَمَّ ذهب بعضهم إلى أن الكفار مخاطبون بالتروك من الشرعيات دون الأفعال لعدم صحة النية منهم.

  فرع: ولكون التروك الشرعية شُرِعَتْ لترك المفاسد كانت أهمَّ من الأفعال؛ إذ هي مشروعة للُّطفية التي هي نفع للمكلف، ومن المعلوم أن الاحتراز عن المضرة أهم من طلب النفع، ويتفرع على ذلك فروع:

  منها: أن الواجبات كلها يستباح تركها بالإكراه، بخلاف المحرمات فإن منها ما لا يبيحه الإكراه كالزنا وضرب الغير وسَبِّه.

  ومنها: أن حدَّ الإكراه في ترك الواجبات هو حصولُ ضررٍ أيّ ضررٍ كان بخلاف المحرم فلا يبيحه إلا التلف أو ذهاب العضو أو نحوهما.

  ومنها: أنه يستباح ترك الواجب عند خشية حدوث علَّة أو زيادتها أو استمرارها، ولا يبيح المحرم إلا خشية التلف ونحوه.

  فرع: ولذلك لم يَجُزْ التداوي بالنجس كما أشار إليه الشارع بقوله ÷: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها»⁣(⁣١) وجاز بترك الواجب إذا ظن زوال العلة.


(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أم سلمة بلفظ: «إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام» رقم (١٣٩١)، وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد مثله، والطحاوي في شرح معاني الآثار. وقد روي موقوفاً عن ابن مسعود بلفظ الكتاب.