معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 57 - الجزء 1

البحث الثاني: في ثبوتها في حق الكفار

  تثبت في حقهم العقوبات كلها محضةً كانت بدنيَّةٌ كالحدِّ والاسترقاق، أو ماليَّةٌ كقطع أشجارهم، وتحريق زروعهم، واغتنام أموالهم، أو مشوبةً بمؤنةٍ غالبةٍ كالخراج، وما يؤخذ من تُجَّار أهل الذمة؛ إذ هو شبيهٌ بالأجرة، أو مغلوبةٍ كالجزية إذ تؤخذ على وجه الصَّغار.

  وكذلك الدَّيانات كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإخراج الخمس، وغسل النجاسة، فيطهر المحلُ على القول بطهارة رطوبتهم، ولا يصح منهم شيءٌ من القُرَبِ محضةً كانت بدنيَّةٌ كالصلاة والصوم، أو ماليَّةٌ كالزكاة والفطرة، أو مَشُوْبَةً بعقوبةٍ غالبةٍ ككفارة الظهار والفطر بالوطء، أو مغلوبةٍ كسائر الكفارات، ولا ما هو يتضمن القُرْبَة كالوقف والنذر، أو فيه شائبة قُرْبَةٍ كالذبيحة؛ إذ يشرط فيها التسمية وشرع فيها الاستقبال، وصارت عبادةً محضةً في الهدي والأضحية.

  فرع: ومن القُرَبِ عندنا الوضوء فلا يصح منهم خلافاً للحنفية؛ إذ هو عندهم شرطٌ كستر العورة وغسل النجاسة، فهو من الدَّيانات المحضة.

  ولبعض أصحابنا لضعف القُرْبَة فيه لما ذكر فيصح عندهم وضوء الكافر إذا أسلم في الوقت.

  وأجازت الفقهاء وبعضُ أصحابنا ذبيحةَ الذميِّ لضعفِ القُرْبَةِ مع كونه [لكونه]⁣(⁣١) كتابيّاً أهلاً لتسترها مستظهرين بظاهر ما ورد⁣(⁣٢).

  فرع: قال أصحابنا: إذا ارتدَّ المسلمُ سقطَتْ عنه حقوقُ الله تعالى المحضةُ التي لا تُجامع الكفرَ وهي القُرَبِ كلها بدنيَّة كانت أو ماليَّة، وانحلَّت أسبابها كالنذور المشروطة والأيمانِ وقتلِ الخطأ لا الظهار؛ لأن في الكفارة حقّاً لآدميٍّ ولو وقعت الردَّة بعد العَوْد على الأصح.


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).

(٢) في قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}⁣[المائدة ٥].