الضرب الثاني: الأفعال
  الضرب الثالث: أن يكون حقُّ الله بدنيّاً وحقُّ العبد ماليّاً، فإن كان حقُّ الله تعالى عبادةً فحقُّ الآدميِّ أولى، وذلك كالحج أو الصلاة مع المطالبة بالدين، وكمن وجد قيمة ماء الوضوء أو ثوب الصلاة وهو مطالب بالدين.
  وإن كان عقوبةً فهي أولى، وإن كان دَيانةً فالقولان كل ذلك على التفصيل المتقدم في الضرب الثاني.
  الضرب الرابع: أن يكون حقُّ الله ماليّاً وحقُّ الآدميِّ بدنيّاً، فهو على الخلاف في الضرب الأول، وذلك كالزوجة تخرج من بيت زوجها لتسليم زكاةٍ لا يُمكن إلا بخروجها.
  فرع: يعلم مما سبق أن حقَّ الله إنما يُقدَّم في الضربين الأولين والرابع حيث لم يُخْشَ فوتُ مهجةِ الآدمي، وإلا فهو أقدمُ اتفاقاً، إلا أن يُخْشَى من تفويت حق الله تعالى انهدام قواعد الإسلام قُدِّمَ حينئذٍ على التحقيق المذكور أولاً.
  فرع: ويفهم مما تقدم من التعاليل أنها إذا تعارضت حقوق الله قُدِّمَ الأهمُّ منها على غيره، وما لا بدلَ له على ما له بدلٌ، فيُقدَّمُ الجهاد على الحج وعلى الصلاة، ولذلك شُرِعَتْ صلاةُ المسايَفة وصلاةُ الخوفِ فجُعِلَ النقصانُ في جانب الصلاة.
  ويُقدَّمُ شراءُ ما يسترُ العورةَ للصلاة على شراءِ ماء الوضوء، وغسلُ النجاسة على التوضؤ، وصلاةُ الجنازة على صلاةِ الجمعة وعلى المكتوبة ونحو ذلك.
  فرع: ويقدم من الجهاد والعلم ما يُخْشَى ضياعُهُ، فإن خُشِيَ عليهما معاً قُدِّمَ العلمُ إذ به يعلم الجهاد، ولأن الله أعْلَمَ رسولَه ثم أمره بالجهاد، ولأن وجود العلم عِلَّةٌ مؤثرةٌ في وجوب(١) الجهاد، ووجود الجهاد عِلَّةٌ غائيةٌ في وجود العلم، والمؤثرةُ متقدمةٌ في الوجود على الغائية.
(١) في (ج): وجود الجهاد.